«التدفق المليوني» للنازحين يرفع من الحزم الأوروبي.. وموسكو مستعجلة لحل قبل رحيل إدارة أوباما
جنبلاط في باريس: البحث عن «أنباء سارة» لانتخاب الرئيس!
شيء جدّي يحصل على المستوى الدولي في ما خصّ الأزمة السورية للمرّة الأولى منذ 5 سنوات
يحرص الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع القيادة الفرنسية، ولا سيما مع الرئيس فرنسوا هولاند وطاقمه، انطلاقاً من قناعاته بأن باريس قد تكون الأقرب في رؤيتها ومقاربتها للموضوع الإقليمي، وبالأخص الأزمة السورية، إضافة إلى الملف اللبناني الداخلي الذي ترعاه فرنسا «برموش العين»، على حد تعبير بعض الساسة اللبنانيين.
وفي رأي أوساط مقرّبة من جنبلاط , أن فرنسا تلعب دوراً متقدماً أكثر من غيرها من الأوروبيين بحكم علاقتها التاريخية مع لبنان، وحرصها الدائم للحفاظ على استقراره وتأمين شبكة أمان له، فضلاً عن إدراكها ومعرفتها بواقع سوريا، التي كانت تحت سلطتها في زمن الانتداب، وهي من خلال علاقاتها «العنكبوتية» مع الدول المؤثرة، بدءاً من واشنطن مروراً بموسكو وصولاً إلى طهران والرياض، قادرة على تكوين صورة أكثر واقعية ووضوحاً لما يجري على مختلف الساحات المشتعلة وحيث الأزمات العالقة.
من هنا يُدرج هؤلاء زيارة جنبلاط إلى باريس التي أضحت، إلى حدّ ما «روتينية»، من أجل التشاور بعمق حول تعقيدات المشهد اللبناني في ما خص استحقاق رئاسة الجمهورية، ولا سيما أن زيارته هذه تأتي غداة الانفراج في العلاقات الإيرانية مع دول الغرب خصوصاً الأوروبية، والانفتاح على باريس الذي تجلّى بزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العاصمة الفرنسية مؤخراً، فضلاً عن اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي بولي العهد السعودي الأمير محمّد بن نايف الأسبوع الماضي، والذي تناول مختلف ملفات المنطقة المتشابكة، سواء في اليمن والعراق وسوريا أو في لبنان، وما طرأ من مستجدات على خلفية تأزم العلاقة اللبنانية مع المملكة ودول الخليج، بعيد مآخذها على موقف بيروت لخروجها عن الإجماع العربي في شأن إدانة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وممثليتها في مشهد، وارتفاع حدة المواجهة بين دول الخليج و«حزب الله» في ضوء الاتهامات الموجهة إليه بتدخله في شؤون المنطقة ووصفه منظمة إرهابية، الأمر الذي ترك تداعياته على لبنان الرسمي، أبرزها وقف الهبة السعودية عن الجيش اللبناني والمتمثلة بعقود لشراء أسلحة فرنسية.
ولعل الأهم أن الزيارة إلى باريس ستشكّل مناسبة لجنبلاط للإطلاع عن كثب على الحركة التي تشهدها فرنسا حيال مساعي حل النزاع السوري قبيل استئناف مفاوضات جنيف، إذ أن باريس ستشهد الأحد المقبل اجتماعات أوروبية – أميركية موسعة من أجل إعطاء مزيد من الدفع للمفاوضات التي يتولاها الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا مع الأطراف السورية في ضوء زخم التوافق الروسي – الأميركي على ترسيخ الهدنة وإطلاق العملية السياسية، وقد بدا واضحاً وفق متابعين، أن ثمة شيئاً جدياً يحصل على المستوى الدولي في ما خص الأزمة السورية، لا سيما وأن دي ميستورا كان واضحاً في تحديده أن مفاوضات «جنيف -3» ستركز، إلى المساعدات ووقف إطلاق النار، على تشكيل حكومة وطنية وتعديل الدستور، والانتخابات التي ستجرى في غضون 18 شهراً، وقوله «إن حظوظ التوصل إلى تسوية هي الأعلى منذ أي وقت مضى».
و«سَبر أغوار» ما يدور في مراكز القرار من رسم حلول للأزمة السورية بالنسبة لجنبلاط يأتي في ظل قناعة بأن أي محاولة للنظام السوري للتهرّب من الدخول في المرحلة الانتقالية التي نص عليها «جنيف -1»، وإنْ تضمّن «تعديلات ما»، ستُواجه بحزم من قبل الفرنسيين والأوروبيين بعدما أضحت الأزمة السورية تشكّل عبئاً على أوروبا من بوابة النازحين السوريين وما يمكن أن يحمله التدفق «المليوني» إلى تلك القارة من مشاكل أمنية واجتماعية، فضلاً عن قناعة مماثلة بأن موسكو تستعجل مساعي التوصل إلى حل سياسي بعد تدخلها العسكري القوي في سوريا، والذي أعاد تعديل موازين القوى بما آل إلى دفع طرفي النزاع، النظام والمعارضة، إلى العودة للجلوس إلى طاولة التفاوض.
فروسيا التي حققت مكاسب لمصلحتها على مسرح العمليات السوري، تريد أن تحافظ عليها قبل أن تحصل متغيّرات على المشهد الأميركي، قد تنعكس تبدلاً في موقف الإدارة الجديدة حيال سوريا، إذ أن موسكو تنظر إلى أن ما يمكن حصده، في ظل ما تبقى من ولاية باراك أوباما، قد لا يكون ممكناً بعدها، مع إقرار المتابعين بأن تحسين «الكرملين» لأوراقه في سوريا هدفه لا ينحصر في حماية مصالح روسيا وقواعدها العسكرية على المتوسط بل يطال «المسألة الأوكرانية» التي أثقلت كاهل روسيا واقتصادها بسبب العقوبات المفروضة عليها، ولعل الأهم أن روسيا التي تختلف حساباتها عن حسابات إيران ومشروعها في سوريا تخشى من أن يؤول استمرار النزاع العسكري إلى غرقها في مستنقع الوحول السورية على غرار ما حصل معها في أفغانستان.
ورغم أن مساعي جنبلاط في زيارته الباريسية ولقائه هولاند ترمي، في جانب منها، إلى البحث عن «أنباء سارة» لانتخاب رئيس للجمهورية، فإن الأوساط المقرّبة منه تستبعد إمكان حدوث خرق في جدار الأزمة الرئاسية، نظراً للاعتقاد السائد بأن الأفق مقفل والأمور أصبحت أكثر تعقيداً، لكنها ترى أن الجلسة الأخيرة لانتخاب الرئيس في الثاني من الشهر الحالي شكلت مشهداً متماسكاً بحشد 72 نائباً نزلوا إلى ساحة النجمة لمصلحة انتخاب رئيس، وغالبية هؤلاء يَصبّون أصواتهم لمصلحة المرشح سليمان فرنجية، وهو مشهد أراح «قوى 14 آذار» بتأمينها تكتلاً واسعاً لمصلحة مرشحها، في مقابل تكتل أقليّ يُشكّل ثلث المجلس لمصلحة المرشح ميشال عون ويعمل على تعطيل العملية الانتخابية من خلال مقاطعته حضور الجلسة لتأمين نصاب الثلثين، لكنه مشهد يُعبّر عن الواقع الراهن الذي يتحكم بمسار الانتخابات الذي يصعب اختراقه لارتباط ذلك «الثلث المعطل» بأحداث «الإقليم» وتداعياتها، وهو ما يجعل من الصعب التكهن بالمدى الزمني لخروج لبنان من حالة التخبّط والمراوحة، ونفاده من الحرائق المشتعلة حوله.