ليس غريباً او مستهجناً ان يكون رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط يسكنه هاجس القلق والخوف من تصفيته او دعوة لذلك على خلفية انه «الحلقة المركزية والاضعف» في المؤامرة على سوريا، لا سيما وان الزعيم الدرزي اسير عقدة تاريخية مفادها ان زعماء آل جنبلاط قضوا جميعهم قتلاً من بشير جنبلاط وصولاً الى والده الشهيد كمال جنبلاط في الستين من عمرهم، اضافة الى ذلك ان «ابو تيمور» تعرض في الاحداث اللبنانية لمحاولة اغتيال بواسطة سيارة مفخخة فجرت عن بعد، ونجا من سيارة اخرى في تلك المرحلة امام مطعم «ماندارين» وليس باعجوبة بل ان المحاولة الغيت بسبب مرافقة السفير الاميركي له بدعوته الى العشاء، كما لا تغفل اوساط مواكبة لمسيرة جنبلاط ان مسؤوله الامني جمال كرارة المعروف بـ«ابو هيثم» خطط لاغتياله عبر قلم ارسل اليه، فلماذا لا «ينقذ» سيما وان الموت واكبه في اكثر من محطة ولا يزال صوت الرئيس الشهيد رفيق الحريري يرن في اذنيه يوم ابلغ الاخير جنبلاط بأن «بيروت ستنكسر فوق رأسيهما» وفق افادات بعض الشهود امام لجنة التحقيق والمحكمة الخاصة بلبنان.
ربما جنبلاط هو من السياسيين القلة الذين يملكون حساً أمنياً عالياً يفوق بكثير ايقاعه السياسي، فالرجل صاحب شبكة علاقات واسعة تؤكد الاوساط، تتوزع محلياً واقليمياً ودولياً، توفر له كماً من المعلومات يبني عليها مقتضاه، ويوم اعلن عن قناعته ان الاتحاد السوفياتي سينهار على الطريقة اللبنانية، اتهمه البعض بالسذاجة وبقصر النظر كون الدب السوفياتي كان احد عامودي النظام العالمي ابان الثنائية والحرب الباردة، ولكن متهميه صعقوا مع سقوط جدران برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي حيث لا تزال روسيا تعاني من وقع الحدث وما يحصل في اوكرانيا وبقية الجمهوريات السوفياتية السابقة وقبلها في الشيشان ان دل على شيء فعلى جنبلاط ان لا يرمي الكلام في الهواء ولا حتى النكات كونه صاحب اسلوب ساخر ولاذع بل يغلف الوقائع المرة بسخرية تخفف وقعها.
وتضيف الاوساط نفسها ان «نقزة» جنبلاط لم تأت من فراغ فرأسه مطلوب وفق ما يملكه من معطيات خصوصا وان المجريات في المنطقة مرعبة، وتؤشر انه «لن يبقى احد يسرق حجارة الطريق» وفق توصيف الراحل ميشال ابو جودة لبداية الحرب الاهلية اللبنانية، فقد سقطت انظمة وانهارت دول، وتبخر اتفاق «سايكس – بيكو» اثر سقوط الحدود السورية العراقية، وظهور «داعش» و«النصرة» كتنظيمين تكفيريين ويبيدان كل ما يتعلق بالقيم الدينية والانسانية والتاريخية، فوجد جنبلاط انه محاصر مع طائفته ومضطر للقتال بشكل دائري، فدروز جبل السماق تحكمهم «النصرة» ودروز جبل العرب يقاتلون دفاعا عن وجودهم، وخوفه الاكبر ان تتمدد «النصرة» الى المقلب اللبناني بجبل الشيخ حيث البلدات الدرزية، لذا لجأ الى محاولة تطبيع الوضع معها على قاعدة «تنظيم الخلاف» كونه لا يصنفها تكفيرية ارهابية، اضافة الى ان اعتبار «داعش» «ظاهرة تملأ الفراغ»، ولكن على من يقرأ مزاميره «ابو تيمور» فـ«الوحش التكفيري» وفق توصيفه السابق لا يقرأ الا في كتابه، فالجميع محللون للذبح لديه ان لم يبايعوه.
وتشير الاوساط الى ان جنبلاط مرهق وانه لم يكن يمزح يوم اعلن انه يفضل ان «يعمل زبالاً» في نيويورك، بدلاً من العمل في الوحل السياسي، وانه يسعى لتحقيق حلمه بالرحيل الى «النورماندي» والتفرغ لكتابة مذكراته، لذلك حاول تسريع نقل الارث الى نجله تيمور يوم ابلغ الرئيس نبيه بري عزمه على الاستقالة لكن الاخير طلب منه التريث بفعل استثنائية الظروف وصعوبة فتح هذا الباب كي لا تكر سبحة انتخابات فرعية في مناطق عدة، لذلك يسعى جنبلاط الى الباس العباءة لنجله حيث لم يتسن لوالده الشهيد الباسه إياها، لقد مل الزعيم الدرزي كل شيء، فالمرحلة مرحلة الكوابيس الكبرى التي ربما ستكون نتيجتها انه «لن يبقى احد ليسرق حجارة الطريق».