Site icon IMLebanon

جنبلاط ينتظر جلاء عاصفة المستقبل – الوطني الحرّ لاسقاط تطويقه

 

كان من نتائج الإنتخابية النيابية التي شهدها لبنان في السابق ترسيخ الخلافات بين قواعد القوى المرشحة، سواء كانت النتيجة نجاحاً او سقوطاً لمرشحيها، لكن الإستحقاق الدستوري الذي سيشهده لبنان في السادس من ايار المقبل سيرخي بتداعياته هذه المرة على فرقاء أكثر مما سيكون له أثر عند المواطنين.

ويبدو واضحاً من علاقة تيار المستقبل وحلفاء الأمس في قوى 14 آذار بأن التلاقي المستقبلي بينهم لن يكون سهلاً، خصوصاً ان رئيس الحكومة سعد الحريري سيواجه صعوبات بعد التكليف المرتقب له لتشكيل الحكومة المقبلة، وسيكون حليفه الأساسي في هذه المعادلة هو رئيس التيار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل، الذي وسّع مروحة خلافاته مع معظم القوى السياسية ولا سيما المصنفة حليفة مباشرة وغير مباشرة له ولخياره السياسي، بحيث بدا التيار الوطني الحر والمستقبل انهما الحليفين الاساسيان في مقابل الحلفاء الإنتخابيين. اضافة الى ان تعاطي حزب الله مع توازنات التشكيل سيكون اكثر تشددا من السابق بهدف تعزيز حضور الحلفاء في موازاة تساهله مع ازمة الوقت الطويل الذي سيحيط بإشكالية التأليف، ومن ضمنها مطالبه، وذلك على وقع المآخذ التي نتجت عن مفاعيل التسوية الرئاسية وبنودها غير المدونة والمقلقة له.

واذا كان الخلاف بين الحريري وبين رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لا يزال قائماً على خلفية ازمة الإستقالة، فإن الخلاف مع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، بات خاضعاً لتفسيرات متبادلة بينهما. فمن جهة المستقبل يحرص رئيس التيار الأزرق على تعزيز العلاقة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ولذلك يبتعد عن أي قوى سياسية تشكّل حساسية لرئيس البلاد، هادفاً بذلك الحفاظ على التعاون القائم بينهما، لاسيما في ظل تحالف الزعيم الدرزي مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي تتسع دائرة الخلاف بينه وبين باسيل يوماً بعد يوم، ما حدا بوزير العدل سليم جريصاتي للتحرّك على خطّ عون – برّي – باسيل، من أجل تطويق تداعيات مواقف رئيس التيار الوطني الحرّ الأخير في الجنوب، وحماية التحالفات الإنتخابية القائمة بين أمل والتيار البرتقالي في دوائر عدّة، منعاً لردات فعل قد تدفع بمناصري الجانبين للتصويت المضاد وتحصين الاستقرار والتعايش.

لكن ابتعاد الحريري عن جنبلاط، كان ممكن أن يبقى في ظل تطبيع الوضع القائم إنتخابياً معه في دائرة الشوف – عاليه، وليس الى حدّ تجاوز موقعه وحضوره الدرزي على ما دلّت زيارة رئيس الحكومة الى الجنوب اللبناني، ولاقت إعتراضاً اشتراكياً، عبّر عنه بوضوح أكثر من عضو في تكتّل جنبلاط.

لكن في المقابل، لم يكن الزعيم الدرزي في حالة قلق، فهو يعرف موقعه في المعادلة السياسية، كما معرفته بقواعده وابناء الطائفة الذين لا يجدون غيره ملاذاً عند التحديات والمحطات المفصلية، بحيث  تستذكر فعاليات الطائفة الدرزية استدعاء المير مجيد ارسلان قبيل وفاته لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي يومها وليد جنبلاط، والطلب اليه الإنتباه على طائفة الموحدين الدروز.

ولا يخفي القلق الذي يعيشه جنبلاط من محاولة تطويقه، مدى إعتباره ان المواجهة الثنائية له من قبل المستقبل والتيار الوطني الحرّ قد تكون طويلة الأمد، حسب المراقبين الذين يرون أنه أبان جولة الحريري الى الجنوب واستقبال النائب طلال ارسلان له، كان الزعيم الدرزي يشارك في منح السفير الفرنسي في لبنان لرئيس «مؤسسة العرفان التربوية» الشيخ علي زين الدين وسام تقدير لنجاح مؤسساته التربوية ليلي المناسبة غداء أقامه زين الدين في دارته في بلدة «الخريبة»، حيث بدا جنبلاط جد مرتاحاً لكونه، على ما يقول مقربون منه، يتكل على طائفة تثق بخياراته، وكان في رحاب مشايخها الذين يقفون «وقفة الرجال» اذا ما دقّت الساعة، لكن جنبلاط يسعى لتمرير هذه المرحلة بأقل نسبة مواجهة وتوتير للأجواء مع اي قوى سياسية، حتّى أنه ينتظر جلاء «عاصفة التيارين الازرق والبرتقالي»،  لتعود الأمور عندها الى التوازن السياسي في البلاد.

في المقابل، يسجّل أخصام باسيل عليه حقّه في أن يهدف كرئيس حزب الى الحفاظ في ظل هذا القانون على أكبر عدد من أعضاء كتلته والاستبسال لحمايتهم لكنهم، يأخذون عليه في الوقت ذاته توسيعه يوماً بعد يوم مروحة خلافاته بإتجاه كافة القوى السياسية.

وفي توصيف لمدى حدية باسيل في تعاطيه مع أخصامه، يستذكر مسؤول في تيار المردة، ومقرب من النائب سليمان فرنجية مبادرة الرئيس الشهيد بشير الجميل بالرئيس الراحل سليمان فرنجيه، بعيد إنتخابه، وان كان فرنجية لم يرد يومها لإعتبارات متعددة، لكن ذلك يعكس في منطق المقرّب من فرنجية، مدى عدم سعي باسيل لتنظيم خلافه مع القوى السياسية، معدداً بعضها، اسوةً ببري، في حين عمد الى صفّ أخصامه المسيحيين على الحائط لإعدامهم على غرار جعجع، سامي الجميّل، فرنجية، ميشال المرّ، فريد هيكل الخازن، فارس سعيد وآخرين، في خطوة لم تبقِ له حليفاً سوى الحريري الذي نسج هذا التحالف معه على قاعدة التسوية الرئاسية القائمة في ظلّ وجود عون في بعبدا.

ولا يرى مقربون من باسيل بان خطوته تحمل هذا الواقع الدراماتيكي تجاههم، لأنهم يريدون الإبقاء على منطق الميليشيات داخل الدولة ومؤسساتها وهو ما يتناقض مع نهج التيار الوطني ومؤسسه العماد عون.

وفي منطق أصدقاء سياسيين للحريري من غير الطامحين الى مكاسب وغايات خاصة ، بأنه لم يحافظ على «حزام الأمان»، في ظل خلافه القوي مع القوات والكتائب، لأن بإستطاعته أن يبقي على شعرة معاوية مع عدّة قوى مستقلّة في مناطق عدّة لها وزنها الشعبي وتاريخها السياسي، وقيمتها الوطنية، وان كان هو لم يقطع الجسور كما عمد باسيل، لكن بإمكانه كرئيس حكومة، وزعيم للسنّة أن يحافظ على خصوصية المجتمع اللبناني  وتركيبته السياسية المتعدّدة، وعدم الإكتفاء بحصر علاقته السياسية – الرسمية بالتيار الوطني الحرّ وان كان يشكل أكبر قوة مسيحية.

في موازاة ذلك يدور الكلام في اوساط قيادية  للمستقبل، بأن الحريري اتخذ الموقف الذي اوصله اليه حلفاء الأمس، من الذين يصنفون ذاتهم «سياديين» أكثر منه وشفافين بامتياز، ويعارضون كل الصفقات حرصاً على مصلحة المواطن في حين يمكن لسؤال واحد ان يبدّد كل ادعاءات هؤلاء، وهو: «اذا كان للحريري مؤسسات ورثها عن والده الشهيد تشكّل له مورداً مادياً، فأنتم من أين تأتون بالأموال كقوى سياسية، ومن من هؤلاء القادة يدخل أموالاً من مهنته او عرق جبينه !؟».

وتضيف الاوساط بان بعض الناقمين على تفاهم الحريري – باسيل سعوا مرارا للتحالف مع المستقبل وهم يتهمونه بالصفقات ولما فشل التحالف رفعوا من درجة كلامهم تجاهه كما كان الحال قبل ازمة الاستقالة.