فقد النائب وليد جنبلاط المبادرة السياسية، بعد ان كان صاحبها، وهو منذ سنوات، لم يعد له الدور الفاعل في المعادلة الداخلية، بعد ان اختار ان يكون في وسطها، فخسر 14آذار، بعد ان كان قائدها اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولم يربح 8 آذار لانه عاد وانقلب على سوريا بعد ان صالحها في العام 2009، وعمل ضد النظام بعد وقوع الازمة مطلع العام 2010، وانتظر «جثة عدوه» على ضفة النهر، وهو الرئيس بشار الاسد، وفق تعبيره، الا انه لم يحصل ذلك، و«ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه».
فالوسطية التي اختارها جنبلاط كنهج سياسي، بعد احداث 7 ايار 2008، مبتعداً عن التخندق مع هذا المحور السياسي وذاك، افادته في مرحلة سياسية، وكان فيها «بيضة القبان» تقول مصادر سياسية مطلعة على مواقف جنبلاط اذ هو بموقعه حسم الموقف الى جانب نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، وان كان حلفاؤه السابقون في 14 اذار، يتهمون «قمصان السود» التابعين «لحزب الله»، انهم وراء موقفه، وبعد استقالة ميقاتي، ذهب الى خيار تمام سلام رئيساً للحكومة كشخصية حيادية غير مستنفرة وفي الحالتين كان جنبلاط رقماً في «المعادلة السياسية»، وهو ما حاول ان يلعبه في انتخابات رئاسة الجمهورية، فسمى النائب هنري حلو مرشحه لها، ليهرب من انتخاب سمير جعجع او ميشال عون، واعلن تأييده للنائب سليمان فرنجية كمرشح تفضيلي لرئاسة الجمهورية، كي لا يشرب «الكأس المرة» بانتخاب عون او جعجع.
في هذه المرحلة، كان جنبلاط «بيضة القبان»، الى ان فاجأه تأييد الحريري للعماد عون رئيساً للجمهورية، فلم يعد «راداراه السياسي»، يبين له على الشاشة بحسب المصادر، كيف انتقل الحريري من تأييد فرنجية باتجاه عون، وارسل «كشافة» السياسي الوزير وائل ابو فاعور، ليعرف من السعودية ماذا يجري، وهل قرارات رئيسي «تيار المستقبل» موحى فيها من المملكة وعاهلها او نجله «الامير القوي محمد بن سلمان، ليعود ابو فاعور بجواب غامض، مما اربك رئيسه تقول المصادر، وذهب الى عين التينة يسأل الرئيس نبيه بري الذي ابلغه انه يؤيد فرنجية وما زال، ولن يصوت لعون، فزاد عنده «الضباب السياسي» وانعدمت «الرؤية السياسية» والسبب في ذلك، ان «انتينات جنبلاط» تعطلت ولم يعد يصل اليها الارسال، منذ ان قطع علاقته بسوريا، وبعد ان خرج الفريق السوري الذي كان يرعاه من السلطة، كعبد الحليم خدام والعماد حكمت الشهابي، الذي كان يزوده بالقرار السوري، فيصيب جنبلاط بموقفه السياسي، ليبدأ الحديث عن «انتيناته» التي لم تعد شغالة ايضاً مع روسيا التي كان على صداقة مع قيادتها، وهو منذ زمن الاتحاد السوفياتي كان يزوّد بالمعلومات، فارتأى بعد الغزو الاميركي للعراق، ان يجدد اتصالاته مع الادارة الاميركية، ووفق بصديق له كان سفيراً في لبنان جيفري فيلتمان الذي يدلعه باسم «جيف» الذي كان مرجعية للزعيم الجنبلاطي ومنه استمد فكرة «ثورة الارز» ضد الوجود السوري وتشويه صورة «حزب الله»، وبدل تحالفاته الوطنية وانتقل الى خصوم الامس، فاقام المصالحة في الجبل، وشجع على قيام «لقاء قرنة شهوان»، الذي طالب بالانسحاب السوري واعتبر ان العصر هو اميركي. بمشروع «الشرف الاوسط الجديد»، الذي عنوانه «ثورات ملونة» و«فوضى خلاقة» اطلقها الرئيس الاميركي جورج بوش.
ففي ظل كل هذه التطورات السياسية التي كان منها تغيير موازين القوى الداخلي لصالح «حزب الله» وحلفائه بعد احداث ايار. ثم التحولات الاقليمية التي جاءت في سوريا لصالح النظام الذي توقع له جنبلاط السقوط السريع، فان ذلك ادى الى فقدانه لدوره الوسطي، ولم تعد «بيضة قبانه» تزن سياسياً، فقرر ان يخرج باقل الخسائر الممكنة، فانتخب نواب حزبه العماد عون رئيساً للجهمورية وترك الحرية والخيار لنواب «اللقاء الديموقراطي»، الذين لم يماشوه في تسميته لميقاتي رئيساً للحكومة.
ومع انتهاء انتخابات رئاسة الجمهورية، التي لم يكن جنبلاط من صانعيها، كما كان والده كمال جنبلاط في مراحل من تاريخ لبنان السياسي الحديث، فانه شعر انه بدأ يخسر دوره تقول المصادر، فلم تأت التشكيلة الحكومية كما يشتهي، ولم يحصل على وزارة سيادية، ليكون الرجل الرابع في السلطة، بل شارك الى جانبه في الحكومة النائب طلال ارسلان الذي لم يعد «فيتو» جنبلاط يمنعه من المقعد الوزاري، ولم تعد الساحة الدرزية حكراً عليه، وهذا ما وضعه في حالة «ستاتيكو» ينتظر ما سيقرره الاخرون، وهو ما برز في قانون الانتخاب، الذي لم تنجح محاولات جنبلاط ان يعوّم القانون الحالي وتجري الانتخابات على اساس النظام الاكثري، تقول المصادر، بل تم ابلاغه ان النسبية هي التي ستعتمد، وقد يراعي وضعه في ضم عاليه الى الشوف ليؤمن اكثرية درزية له، ويقيم توازناً مع طوائف اخرى، وتصبح له كلمة في التحالفات بعد ان خسر خمسة مقاعد من كتلته النيابية، واستقرت على 11 نائباً ثلاثة منهم يفوزون باصوات حلفائه.
ففي اثناء الاعداد لصياغة قانون الانتخاب، الذي تخلى حليفان للحزب التقدمي الاشتراكي هما «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» عن النظام المختلط، باتجاه النسبية الكاملة، وضع جنبلاط اوراقه في سلة الرئيس بري، كي يحفظ له «حقوقه» على حد قول المصادر، الا ان المفاجأة كانت ان يفوض النائب جورج عدوان عضو كتله «القوات اللبنانية» بالتفاوض عنه في مشروع مروان شربل المستند الى النسبية على اساس 15 دائرة والذي اقرته الحكومة، واعتبره جنبلاط معقداً بالصوت التفضيلي كما اصحابه، فترك الحريري يرد عليه ويقول بانه هو من اصحابه. ليعود فيقبل به كامر واقع.
ان جنبلاط خسر معركتي رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب، وسلم بالنتائج من ضمن «واقعية سياسية» و«براغماتية» يتقنها، الا انه بات فاقداً للمبادرة السياسية، ولم يعد الرقم الصعب، بل رقماً من الارقام.