يعيش رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط حالة من الانقلاب على الذات في مراجعة صريحة لمواقفه كافة منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث شكل يومها رأس حربة لفريق 14 آذار وكان من ابرز المطالبين بتشكيل محكمة دولية خاصة للنظر في الجريمة وعمل على ذلك عبر صداقاته الواسعة في المحافل الدولية لانجاز الامر وقد نجح ذلك لينفجر في احدى المناسبات بالقول «يكفي اننا ربحنا المحكمة» وفق الاوساط المواكبة لايقاع الزعيم الدرزي.
واذا كان البعض يأخذ على جنبلاط زئبقية في المواقف فانه لا يجد خيرا في ذلك على قاعدة «اني لست ابا الهول» كما قال في احدى المقابلات معه، فالسياسة بالنسبة اليه بحسب الاوساط لعبة متغيرات يصح فيها كل شيء وعلى طريقة مكيافيلي في كتابه «الامير الاحمر» الغاية تبرر الوسيلة والتي باتت قاعدة متبعة لدى غالبية السياسيين، واذا كان فريق 14 آذار بعلاقته مع المحقق الدولي ديتليف ميليس قد نجح في ادخال الضباط الاربعة السجن لمدة 4 اعوام وكان جنبلاط من اكثر المتحمسين لذلك، ما خلق عدائية بينه وبينهم وخصوصا اللواء جميل السيد الذي وصفه بانه لا يصادق بل يصلح «للاستخدام». الا ان الامور بين الرجلين تضاءلت حدتها والفضل في ذلك يعود الى «الموت»، فقد كان جنبلاط في طليعة المبادرين لتقديم واجب التعزية الى السيد يوم وفاة والدته، وردّ اللواء السيد الواجب بالواجب من خلال تقديم واجب العزاء لجنبلاط اثر وفاة والدة الاخير.
وتضيف الاوساط ان الواجبات الانسانية قصرت مسافة العداء بين الرجلين لتصل الى مرحلة المصالحة ربما اذ كشف احد النواب في فريق 8 آذار، ان لقاء حصل بين جنبلاط والسيد تبادلا فيها الاراء حول مصير الازمة السورية لا سيما بعد الدخول الروسي الى ساحتها. وان دل اللقاء على شيء فعلى ان الزعيم الدرزي بدأ يراجع حساباته حول عدائه لدمشق لا سيما وانه اعلن «ان فريق 14 آذار راهن على سقوط الرئيس بشار الاسد في العام 2011، وفي العام 2013 على التدخل الاميركي في سوريا وكان الرهان خاطئا.
اضافة الى اعترافه بانه لا يمون على دروز سوريا ولن يتحدث في الاوضاع السورية بعد الان كون الحرب لا تزال في بدايتها.
وتشير الاوساط الى ان جنبلاط يجهد على ترميم الجسور التي نسفها مع الاخرين عبر محاولته تظهير الحيادية في مواقفه لا سيما وانه خسر فريق 14 آذار ولم يربح فريق 8 آذار، وان لقاءه السيد التفاتة نحو دمشق وخصوصا وان الزعيم الدرزي ادرك ولو متأخرا انه في لعبة الامم على المرء ان يربح رأسه، وانه لا دور للصغار في صراع الكبار، بالاضافة الى ان زيارته الاخيرة للسعودية لم تسفر عن اي نتيجة سوى انه التقى الملك السعودي الا ان استقباله لم يكن كاستقبال المملكة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على طريقة رؤساء الدول.
ولعل اللافت ان جنبلاط الذي خاصم العماد ميشال عون حتى العداء منذ حرب الجبل محذراً منه يوم عودته من منفاه الباريسي واصفاً اياه «بتسونامي» لا يمانع في المرحلة الراهنة من وصوله الى رئاسة الجمهورية، كما كان من ابرز الساعين لارضائه في ملف التعيينات كما في مسألة العميد شامل روكز.
وتقول الاوساط ان هم جنبلاط الاساسي في المرحلة الرهنة تحصين انتقال وراثته الى نجله تيمور محاولاً تنقيتها من مخلفات خصومته مع الآخرين خصوصاً داخل الطائفة الدرزية كون علاقته مع مرجعياتها الروحية ليست باحسن حال على خلفية تجميله «لجبهة النصرة» ومحاولة فتح قنوات معها على قاعدة حماية دروز سوريا الا ان مجزرة قلب لوزة في جبل السماق اثبتت ان «النصرة» لا تراعي عهداً ولا تلتزم وعداً ولا تقرأ الا في كتابها التكفيري وان وصف جنبلاط للمجزرة بانها حادث فردي اثار حفيظة المرجعيات الدينية الدرزية ووسعت الشرخ بين الطرفين، فهل اللقاء مع اللواء السيد يتيم ام فاتحة لصفحة جديدة بين الرجلين يأمل منها جنبلاط ان تعيد ما انقطع مع دمشق اثر انقلاب الموازين في المنطقة.