لم ينجح النائب وليد جنبلاط في كل المرات التي ينقلب فيها سياسياً على الرفاق والخصوم، او بالاحرى فهو لم يعد موضع استحسان او ثقة عند فريقّي النزاع السياسي الذي تنقل بين أروقتهما على مدى سنوات، ليكون وسطياً ومعارضاً وموالياً ساعة يريد وبحسب الاتجاهات السياسية.
فبعد الانقلاب الشهير الذي شارك فيه على حكومة الرئيس سعد الحريري، ثم إستتبعه بفتح قلبه الى حزب الله، من دون ان يلقى الحماس الذي يدّب فيه شخصياً من قبل مسؤولي هذا الحزب الذين ينظرون اليه بحذر، متوقعاً ان يوصله الانفتاح على خصوم الامس الى اي مكان ايجابي. لكن النتيجة كانت مخيبّة للآمال، لانه لا يستطيع ان يبقى في تموضعه السياسي الجديد لفترة طويلة، لذا فمَن يلجأ اليهم جنبلاط لا يثقون به إلا لفترة وجيزة، لانهم يتأكدون بعد فترة بأنهم وككل مرة كانوا على خطأ.
الى ذلك لم يساعده الانقلاب الشهير الذي ساهم في صنعه بإعادة تطبيع علاقته مع حزب الله، فبقي يتنقل بين السطور السياسية بهدف بقائه على مسافة قصيرة من الجميع، لانه شعر بأن الخسارة تقترب منه، لذا فضّل مصلحة الطائفة الدرزية التي تؤمن دائماً بقدرة زعيمها على التقاط اتجاه البوصلة وتحديد الموقف الذي يناسب مصلحتها العليا، مع انها لم تجد بعد ان مفتاح التقارب الاساسي بين المختارة وحارة حريك يعمل على فتح كل الطرق المقفلة، كما لم تجد في مصالحاته الداخلية سوى خارطة طرق متعرّجة، لان مواقفه الجديدة لم تحمل وكالعادة سوى تقلبات في السياسة، فيما تبقى طائفته دائماً الى جانبه ولو انها تحمل بعض العتب عليه، لكنه في نظرها معفى من الاخطاء السياسية، لذا تتفهّم خروجه عن المألوف في الخصومات والعداوات والحروب الكلامية.
في غضون ذلك تنقل اوساط مقرّبة من الزعيم الاشتراكي بأنه يعرف جيداً ما تتطلبه المرحلة، كما يعرف كيف يقرأ الواقعين الإقليمي واللبناني وما في داخلهما، لان التسوية غائبة عن الساحة السياسية كما يردّد دائماً، فأراد ان يساهم في لعب الدور الايجابي الذي يحّد من الصراع السياسي في لبنان، وبالتالي اراد ان يخفف تداعيات متاهات الحروب الاقليمية على هذا البلد بحسب ما تنقل اوساطه التي ترى أن ليس هنالك من مبرر لإعتراض حزب الله على كلمة الرئيس تمام سلام في شرم الشيخ، فهذا موقف طبيعي من مسؤول رسمي، معتبرة بأن لهجة الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله خرجت عن المألوف في خطابه الاخير، في حين اعتدنا على سماع المواقف الموزونة والهادئة منه، اذ بدا كلامه متشنجاَ وهذا ما إعتبره جنبلاط ايضاً الذي رأى بأنه لم يصدر عن الجمهورية الاسلامية الايرانية كلام كالذي صدر في لبنان عن السيد نصرالله، مستغرباً لماذا يذهب حزب الله أبعد من إيران في طروحاته السياسية.
وتعتبر هذه الاوساط بأن ما جرى في اليمن على يد الحوثيين هو إنقضاض على الدولة لان هؤلاء اصبحوا ميليشيا مسلحة تهدد الأمن القومي لليمن والسعودية، ورأت بأن العملية العسكرية التي قادتها المملكة ليــست سـوى ردّة فعل مشروعة، وهي نـــالت الغــطاء الكامل والشامل من القمة العربية، مما يؤكد شرعيتها.
وعن الاقتراح الذي قدمّه جنبلاط لإستبدال تسمية الجمهورية الإسلامية الإيرانية بـ«فارس الإسلامية»، اشارت الى ان التسمية المذكورة تنسجم اليوم مع الواقع الذي نشهده، ولفتت الى ان الوضع السياسي بين المختارة وحارة حريك ليس على ما يرام وهو بدأ بالفتور منذ ان اعلن جنبلاط مواقفه من «النصرة»، اما اليوم فتطور الى ما يشبه المرحلة الصعبة بين الطرفين لأن الاتصالات غائبة والتنسيق لم يعد موجوداً. وختمت بأن الزعيم الدرزي ينظر اليوم الى مصلحة لبنان ومصلحة الموحدين الدروز.