لم يكن وليد جنبلاط يحتاج الى هذا التصعيد والحشد الحزبي ولا الى عقد جلسة استثنائية لكتلته النيابية ووزرائه ليعبر عن غضبه مما يحصل حوله ومن التركيبة الحكومية والتسويات التي جرت بشأنها، فمعالم الاستياء واضحة في تغريدات «البيك» على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الجلسات الخاصة ومع الحزبيين، فالزعيم الدرزي يشعر منذ فترة بعدم الارتياح وبان كل شيىء ينهار حوله من لحظة الانتخابات النيابية التي ادخلت خصومه في التيار الوطني الحر الى عقر داره في الشوف وعاليه في الانتخابات النيابية الى اشهر التأليف الطويلة التي حرص فيها على ان لا «يزعل» سعد الحريري ويعرقل مسار حكومته وان لا يقطعها مع العهد، فكان التنازل من قبله والسير بالتسوية الدرزية مع رئيس الجمهورية على حساب ومن كيس الحزب الاشتراكي للوزير الدرزي الثالث ليفاجأ لاحقا ان كل مناوراته السياسية لم تفلح في حماية ساحته الدرزية والسياسية من الاختراقات، فها هو صار محاطا بوزيرين من الفريق الخصم له في الجبل بدل واحد كان يحرص على تمنينه بالمقعد الوزاري.
ليس هذا كل شيء فرئيس الحزب الاشتراكي بالعامية «مخنوق» كما يقول احد السياسيين من الدائرة اللصيقة به وبات يشعر ان هناك من يقوم بشد الحبل حول رقبته لدفعه للاستسلام، وان هناك من يقوم باستهداف المختارة لاعادتها الى مراحل الخمسينيات، مما استدعى «نزول جنبلاط على الارض» كما يفعل في كل الازمات وطرح الصوت والتفجير بعدما ثبت ان التغريد وحده لا ينفع وهناك حاجة لاستنهاض الحالة الشعبية الدرزي وشد العصب المتراخي حوله اضافة الى جملة اسباب تقف وراء التصعيد الجنبلاطي الاخير:
ـ تركيبة الحكومة الحالية وميل الدفة الى حزب الله والتيار وشعوره باقتراب فقدان السيطرة ودور بيضة القبان الذي كان يلعبه في كل الحكومات.
ـ شعور جنبلاط بولادة حلف سياسي مضاد استطاع فرض وزير للمهجرين من لون سوري من قلب منطقته الدرزية.
ـ الاشتباه بمحاولة سحب الحريري من تحت العباءة الجنبلاطية واعادة احياء ثنائية باسيل الحريري التي انهكت جنبلاط في الحكومة الماضية.
ـ قناعة البيك الدرزي ان الرئيس سعد الحريري ينفذ ما يريده وزير الخارجية جبران باسيل ويسرق وهج رئاسة الحكومة ويضع الخطوط للبيان الوزاري وقد وصل مستوى التنسيق بين الحريري وباسيل الى عدم ممانعة رئيس الحكومة ووقوفه الى جانب مطالب رئيس التيار.
ـ الحصار السياسي على وليد بيك فهناك الفريق الدرزي من رئيس تيار التوحيد والنائب طلال ارسلان الذي ينمو بسرعة ويستظل بحماية العهد والتيار الوطني الحر وحزب الله، والاختراق الذي تعرض له في الجبل بوزيري المهجرين والنازحين وهو وان اطلق الرصاص على وزير النازحين الدرزي صالح الغريب فان وزير المهجرين سيكون في مدار التصويب والاشتباك مع جنبلاط لاحقا، فالزعيم الاشتراكي يشعر بان اختيار مرشح خاسر في الانتخابات النيابية استفزاز سياسي له من قبل التيار عدا ان الوزير الكاثوليكي كان حصد 4100 صوت تفضيلي في الانتخابات النيابية الاخيرة.
يصر عارفون في شؤون المختارة ان الاستفزاز جعل وليد بيك «يطلع من تيابو» والآتي اعظم في التصعيد الاشتراكي، لكن المفاجأة في الموقف السياسي لجنبلاط هي في التدهور السريع بين المختارة والسراي والذي بدأ بعد انقضاء العشاء الاخير في حضور السفير المصري نزيه النجاري وتلميح الحريري لجنبلاط التنازل عن حقيبة الصناعة في عملية التبادل لحصول التيار على وزارة البيئة، هذا التدهور وفق الاوساط لن يكون عابرا و يمكن ان يكون حمّال اوجه كثيرة، باعتباره رسالة للفت النظر وتصحيح المسار مع رئيس الحكومة او لمجرد التنبيه لمخاطر انضمام الحريري وانزلاقه الى التحالف المضاد.
مضمون التصعيد الجنبلاطي يتكشف مع الوقت، لكن المؤكد ان قلق جنبلاط المعبّر قد يكون حافزا لشحذ الهمم السياسية الاخرى كالتلاقي مع القوات التي خرجت من الحكومة باكثر الاضرار وتهميش في نوعية الحقائب او بالانتقال الى المعارضة لايصال الرسائل.