IMLebanon

سؤال جنبلاط وجواب المعارضة السورية

عجز المسلحون السوريون المتطرفون عن اجتياح لبنان من شماله، حتى الآن، لكنهم قد يفاجئونه من جنوبه، وتحديداً من بلدات وقرى عند زاوية الحدود الإسرائيلية اللبنانية السورية. (ما علاقة الثورة السورية باجتياح المتطرفين لبنان؟ إنها مجرد ذريعة، فالاجتياح مطلوب لسورية ولبنان وربما لبلاد أخرى في المنطقة).

المعارك الأخيرة في الجانب السوري من جبل الشيخ بين «جبهة النصرة» ومقاتلين من القرى الدرزية في المنطقة موالين للنظام، أربكت الجانب اللبناني الذي يضم دروزاً وسنّة ومسيحيين، فبادرت هيئات رسمية وشعبية إلى منع تمدد المعارك إلى لبنان حين رفضت استقبال جرحى «النصرة» في مستشفيات المنطقة، خوفاً من الانتقام منهم، واكتفت بإرسال الصليب الأحمر إلى الحدود ليعالجهم موقتاً قبل ان ترسلهم «النصرة» إلى المستشفيات الإسرائيلية القريبة.

ولئلا تكون معارك جبل الشيخ حلقة في سياق تطييف الثورة على النظام، دعا الزعيم اللبناني وليد جنبلاط «أبناء الطائفة العربية الدرزية في سورية الى اتخاذ القرار الجريء بالخروج من عباءة النظام الآيل إلى السقوط عاجلاً أم آجلاً، والالتحاق بالثورة التي رفعت من الأساس شعارات الحرية والكرامة والتغيير». واعتبر معارك جبل الشيخ علامة خطر «تطاول جميع مكونات المجتمع السوري ومن ضمنها، إن لم يكن في طليعتها، المكوّن العربي العلوي الذي زج به النظام كما زجّ بالمكونات الأخرى لتمرير سياساته وتطبيق أهدافه التي أدت إلى تدمير سورية».

ها هو زعيم لبناني يجدد الثقة بالمعارضة السورية بعدما خيّبت هذه آمال معظم مناصريها في الداخل والعالم، حين فشلت في جمع مسلحيها في قيادة واحدة بل حتى التنسيق بينهم، فصارت المناطق التي دفع النظام إلى الانسحاب منها أرضاً سائبة خضعت بسرعة قياسية لغزو ثقافي وعسكري من متطرفين إسلاميين أبرزهم «النصرة» و «داعش». يطبق هؤلاء قوانين «القاعدة» التي رأى العالم نموذجها المنفّر في حكم «طالبان» في أفغانستان، بل ذهبوا أبعد فاستعبدوا البشر وخيّروا المواطنين بين المبايعة العمياء أو الموت، وفي أحسن الأحوال الطرد بعد مصادرة أملاكهم.

تجديد الثقة بالمعارضة السورية محاولة لإعادتها إلى العنوان الأساس، تغيير النظام، والانحياز لحرية المواطن السوري وتعزيز دوره في اختيار حكامه والقوانين التي تنظّم عيشه وعلاقته بالعالم. وحين يطلب جنبلاط من الدروز، وبالتالي من باقي الأقليات، التضامن مع الأكثرية في إطار وطني، فهو يطرح، وإن متأخراً، سؤالاً يقضّ مضاجع المعارضة الوطنية السورية التي استسلمت بسذاجة لوعود الدول الصديقة ذات المصالح المتباينة، وقللت من شأن مسلحين متطرفين ما لبثوا أن اجتاحوا أرض المعارضة واستعبدوا شعبها واحتلوا صدارة المشهدين العسكري والسياسي في الصراع على سورية.

رأى متابعون ان جنبلاط قد لا يصدق نفسه، ولم يتوقعوا نتيجة من دعوته الأقليات الى محاربة النظام أو إلى الحياد في أسوأ الاحتمالات. والتخوف أن لا تصدق المعارضة السورية أيضاً كلام جنبلاط وأن تصم آذانها عن سماعه هرباً من الجواب، أو اعترافاً بالعجز عن مواجهة ماضيها وحاضرها ومصيرها.

وإذا كان النظام السوري ليس أفضل حالاً، هو الذي يتكئ، بل يتكل، على حلفائه في الحرب والحراك السياسي، فالمعارضة مدعوّة الى التركيز على أهدافها الأساسية ومواجهة تحالف اللدودين، النظام والمتطرفين، بكل الوسائل الممكنة، ليبقى لها مكان في تسوية سورية لا ريب فيها.