«مسرحية دواليب الهوا» للاخوين الرحباني التي لعبت بطولتها الفنانة صباح تصلح لان تكون قالباً لمواقف رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط حفراً وتنزيلاً، فهو يتنسم الريح ليغزل وفق وجهتها لا تضيره سرعة انعطافاته الخطرة فقد تعود على الدوران الى حد انه بات يعتبر الاستكانة موتاً سريرياً لتطلعاته السياسية، لقد فاق جنبلاط كافة السياسيين منذ مسيرة الاستقلال وحتى اليوم بمكيافيليته، فالبيك الاحمر نسخة طبق الاصل عن بطل رواية مكيافيللي «الامير»، ولو قدر من حيث المواقيت ان يولد جنبلاط قبل ميكيافيللي لاعتبر الكتاب سيرة ذاتية كتبت عن الزعيم الدرزي، وفق الاوساط المواكبة لترجرجاته السياسية.
«الغاية تبرر الوسيلة» مهما كان شكلها ففي لعبة الصراعات، لا رحمة لدى جنبلاط، الا انه يهادن احياناً لتمرير العاصفة فيلتقط انفاسه ويعود على حين غرة ليفاجىء اخصامه الذين يضعهم في معظم الاحيان في خانة الاعداء، لقد لدغ منه الجميع، الى حد ان التحالفات التي كان يبنيها في محطات تؤمن له مصالحه غالباً ما انتهت بانقلاب سيد المختارة عليها، ولكن الغريب ان الانقلاب الذي يقوم به غالباً ما يؤذي حليفه بالامس، فقد تموضع تحت العباءة السورية متغنياً بالخندق الدمشقي طيلة زمن الوصاية، فلم تبخل عليه سوريا بالعطاءات الى حد انها جعلته قوة رابعة بموازاة الرئاسات الثلاث، لا بل كان بمقدوره ان يتخطاها جميعاً من خلال علاقاته مع الرئيس الراحل حافظ الاسد، بالتكافل والتضامن مع اللواء حكمت الشهابي وعبد الحليم خدام و لقد ميزته دمشق وربما تفرد بين السياسيين الذين صنعتهم الوصاية بأنه استطاع ان يتخطى والي عنجر، ليصل مباشرة الى موقع القرار في القصر الرئاسي.
وتضيف الاوساط ان تحالفه مع دمشق سرعان ما انقلب عليه مع اول هبة ريح اطلقها ربيع التطرف والتكفير وكما كان الامر مع سوريا، كذلك انسحب على علاقته مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي ارتبط معه «بحلف مقدس» لم يعمر اكثر من عام لتصبح العلاقة بين الطرفين في مربع المد والجزر كما تملي المصالح، كذلك كان الامر بعد استشهاد الحريري ووصول نجله الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة اذ انقلب جنبلاط عليه على غفلة فـ«طارت» حكومة الحريري ليفاخر بعدها جنبلاط بانه العراب الذي اوصل الرئيس نجيب ميقاتي الى الحكم.
لم يحسب جنبلاط ان علاقته وتحالفاته مع الاطراف المحليين هي غيرها مع المملكة العربية السعودية حيث ظن ان بمقدوره ان يحتوي غضبها اثر انقلابه على حكومة الحريري، كون العقلية السعودية محكومة بفوقية ملوكية، حيث غفران الخطايا السياسية يعتبر ضرباً من المستحيلات، ومن يعرف العقلية البدوية الحاكمة وما يقتضيه الدهاء يعلم ان «المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين» فقد جهد جنبلاط لفتح قنوات سياسية تعيد الدم الى شرايين العلاقة مع المملكة، لكن محاولات نجله تيمور الذي استلم هذا الملف يساعده وزير الصحة وائل بو فاعور، لم تنجح في خرق الجدار السعودي السميك، ولكن الزعيم الدرزي لم ييأس في تقديم اوراق اعتماده للمملكة فسارع اليها يوم رحيل الملك عبد الله مراهناً على ان الاخير يختلف عن خلفه الملك سلمان وبرأ «النصرة» من الارهاب واعطى «داعش» شهادة «الظاهرة التي تملأ الفراغ»، وعلى الرغم من ذلك لم تلق مواقفه صدى في الصحراء السعودية المترامية، حيث لا مكان للاصوات، فاستغل جنبلاط «عاصفة الحزم» في محاولة يائسة لتقديم اوراق جديدة يراهن عليها لاعادته الى حضن المملكة حيث بات جنبلاط «ملكياً اكثر من الملك» وارفق ذلك بهجوم على الجمهورية الاسلامية في ايران واصفاً اياها بدولة فارس الاسلامية معتبراً انها ميليشيا تهدد الامن القومي في الوقت الذي تجهد فيه دول الخمس+ واحد لتوقيع اتفاق معها، فهل يناوش جنبلاط «حزب الله» خارجياً واذا كان «تنظيم الخلاف» لم تؤثر فيه الرياح السورية، فهل يصمد بعد التحريض الجنبلاطي على ايران من خلال موقف عرقي علماً ان فارس اعظم حضارة تاريخية تضرب في جذورها آلاف السنين في وقت لم يكن للسعودية وجود على خريطة العالم آنذاك، فهل يصمد «تنظيم الخلاف» ام ان الامر لا يزال ضمن الخطوط الحمراء؟