المساءلة القضائية منطلق أي تسوية سياسية.. في انتظار القرار الظني العسكري
نجح وليد جنبلاط في إعادة ترتيب أوراقه محليا ودوليا، متكئا بشكل أساس على شرارة جريمة البساتين، مما أتاح له ترتيب إجراءات خروجه الصاخب من حال من العزلة التي كاد يصبح اسيرها نتيجة التطورات المحلية، والاهم رهاناته الإقليمية التي استحالت غير صائبة بفعل تطورات الحرب السورية.
وأتاح له هذا الترتيب الزئبقي للأوراق إعادة تموضع سياسي في مواجهة كادت أن تكون مفتوحة الأفق مع حزب الله تحديدا في العام ٢٠٠٨، ما أنتج حكما تجميدا لربط النزاع معه سبق أن أُرسي على قاعدة ترتيب مركب برعاية نبيه بري، قام حينها على تحييد العلاقة مع الحزب محليا وإيرانيا، في مقابل غضّ طرف عن عدائه مع النظام في سوريا.
إستند جنبلاط في طريقه نحو فك العزلة أو الحصار الذي يقول ان العهد فرضه عليه، الى ما دأب على وصفه بالاستهداف الرئاسي له ولزعامته، بدءا وليس إنتهاء بقانون الإنتخاب الذي تسبب له بضرر جلي عبر تعويم خصومه المحليين وتقليص كتلته النيابية مسيحيا لمصلحة التيار الوطني الحر، والأهم التأسيس لحالة سياسية جديدة في الجبل تكرّس واقعا مغايرا لما راكمه الرجل من مكتسبات منذ تقلده عباءة الزعامة.
لا شك أن الرجل إستطاع بالضجيج الذي أحدثه منذ 30 حزيران، وبواسطة آلية حزبية دعائية سياسية وإعلامية فاعلة، تنشيط منظومة تضامنية واسعة من فريقي الصراع على حد سواء، حدّا ذهب بالبعض الى السعي الى إعادة إحياء قوى 14 آذار من خرم البساتين.
هو إستعان بصديقه الأزلي نبيه بري كي يعيد ترتيب بعض من علاقاته الداخلية وخصوصا مع سعد الحريري إثر النزال الحاد الذي حصل بينهما عشية واقعة الشحار الغربي، فيما لا يزال يعوّل عليه لإستدراج لقاء مصالحة مع قيادة حزب الله، على غرار أدوار عدة تصدى لها رئيس البرلمان كرمى الصديق. كما أعاد تنشيط خطوط التواصل مع القوات اللبنانية والكتائب، تحت مظلة التجمّع في مواجهة ما يقول انها حملة إقصائية يمارسها العهد في وجه كل خصومه.
ولم يتأخر في أن يسرق إنتباه البعثات الديبلوماسية العاملة في بيروت، وخصوصا الفرنسية والأميركية. ففُتح له قصر الصنوبر قبل نحو أسبوعين لعرض وجهة نظره على مجموعة من السفراء الأوروبيين، فيما لم تحتَج منه البعثة الأميركية الى كثير عناء لكي يقنعها بأنه مستهدف من حزب الله بقرار سوري عالي المستوى، فكان أن صدر البيان الأميركي اللافت توقيتا ومضمونا بعد ساعات من كشف بعض أوراق التحقيقات والتسجيلات التي من شأنها أن تدين مقربين منه.
بالتوازي، كان يوفد حليم بو فخر الدين الى موسكو (19 تموز) لإعادة ربط ما إنقطع في العلاقة، وهي للمناسبة كثيرة التقطّع لكنها أيضا غالبا ما تنطوي على تقاطعات مفصلية وإن مرحلية.
بذلك أكمل جنبلاط رسم الحاضنة المحلية، وخصوصا الدولية – غربية وشرقية – والتي يجد فيها ملاذا يقيه الخطر الذي يراه مستطيرا من جانبيّ حزب الله والنظام السوري.
هو بادر الى الهجوم بمجرّد إستكماله تنظيم هذا المشهد محليا ودوليا، فكان المؤتمر الصحافي العالي اللهجة الذي صوّب فيه على رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، مستعيدا بذلك دأبه في معاداة العهود الرئاسية منذ إلياس سركيس (ما خلا ميشال سليمان). وأبقى شعرة رفيعة مع حزب الله، ربما ربطا بالمسعى الذي يفترض برئيس المجلس أن يستكمله في ضوء لقاء المصارحة والمصالحة في بعبدا.
في المقابل، لا تخفى المقاربة التي بلورها العهد للعلاقة مع الجنبلاطية السياسية منذ واقعة الشحار الغربي. فالمعطيات التي توفرت له منذ ما قبل الحادثة، وخصوصا في ضوئها، دلّت الى أن ثمة من يرتّب إنقلابا سياسيا كامل الأوصاف عبر إستخدام أذرع امنية وسياسية وديبلوماسية، في موازاة حملة تحريض واسعة إستهدفت خطف إنتباه السفارات الأجنبية، وصولا الى باريس وواشنطن (إجتماعات واتصالات موثقة)، ورمت الى القول ان هذه الجنبلاطية ببعدها الدرزي لا السياسي فحسب مهددة بالانقراض، على طريقة الهنود الحمر.
وفي الجعبة الرئاسية الكثير من المعطيات الانقلابية التي قادت جنبلاط نفسه الى رفض أي مسعى قضائي للمعالجة (إستهدف الحزب التقدمي الاشتراكي مسار المحكمة العسكرية بعدما كان قد وافق عليه)، ما خلا مخرج سياسي كان يسعى اليه بعيدا من أي محاسبة قضائية او حتى معالجة أمنية، ويقوم على خطب ود حزب الله من جديد، وإلا التهديد بالعودة الى إنقسامات ما بعد 14 شباط 2005، وهو امر يدرك تماما مدى وقعه على الحزب في هذا التوقيت الحاد في المواجهة القائمة إقليميا.
لكن رياح الساعات الأخيرة أتت بحل يتكئ اساسا على المحاسبة القضائية كمنطلق لاي تسوية سياسية، وهو ما فتئ يؤكد عليه ميشال عون. فمشى الجميع بالمخرج في انتظار ما سيخلص اليه القرار الظني للقضاء العسكري.