جنبلاط يرفض أن يقاسمه أحد الحصّة الدرزية.. و«القوّات» و«التيّار» معركة كسر عظم
رفع سقف المطالب يؤشِّر إلى رحلة طويلة وشاقة أمام ولادة الحكومة
«حزب الله» يطالب بحقيبة وازنة من ثلاثة: الأشغال أو الصحة أو العدل
ما لم تذهب الأمور في اتجاه تأليف حكومة بمن حضر وتكون ولادتها قبل نهاية شهر رمضان المبارك، فإن ما أبرزته المواقف النيابية بعد الاستشارات غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف سعد الحريري على مدى خمس ساعات في ساحة النجمة أمس الأوّل من فتح للشهية على الاستيزار بمنسوب عالٍ يوحي بأن ولادة حكومة تتمثل فيها مختلف الكتل السياسية ما تزال بعيدة المنال، وان رحلة التأليف ستكون أمام الرئيس المكلف طويلة ومتعبة، كون ان استجابته لمطالب الكتل التي التقاها تجعله يذهب في اتجاه تأليف حكومة مكونة من أكثر من خمسين وزيراً، وهذا بالتأكيد خيار يستحيل تحقيقه.
لا شك ان الارتياح الذي عبّر عنه الرئيس الحريري لحظة انتهاء الاستشارات لم يعكس الصورة الحقيقية لما شاهده في مكتب رئاسة المجلس عند لقائه الكتل والتكتلات والنواب المستقلين، إذ ان ما جرى داخل الغرفة المغلقة لم يكن مشجعاً للرئيس الحريري في ظل الكمّ الكبير من المطالب التي تركها النواب في عهدته لجهة عدد الحقائب التي طالب بها كل فريق بغض النظر عن الالتقاء عند نقطة مشتركة تتعلق بالإجماع على الدعوة للإسراع في تأليف الحكومة مع ربط ذلك بالتحديات الإقليمية والأوضاع الاقتصادية المتردية.
وليس خافياً، ان أبرز العقد التي ستعترض عملية التأليف ينحصر بالتمثيل الدرزي، وبحجم الحقائب لدى «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، فالوزير طلال أرسلان فاتح الرئيس المكلف بمسألة توزيره شخصياً بوصفه ممثلاً لكتلة «ضمانة الجبل» مراعاة لنتائج الانتخابات، في الوقت الذي يطالب فيه «اللقاء الديموقراطي» بأن تكون الحصة الدرزية له وحده ويرفض ان يشاركه بها أحد أي كان.
وفي هذا السياق، يكشف أحد النواب ان أحد أعضاء «اللقاء الديموقراطي» أبلغه بأن النائب السابق وليد جنبلاط ليس في وارد التنازل عمّا يعتبره حق تكتله في الحصص الوزارية، وهو قال لمن فاتحه في هذا الأمر، إذا كان هناك من يحرص على توزير النائب طلال أرسلان فليتمثل بما قام به الرئيس نبيه برّي عند تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حيث تنازل عن وزير من حصته لصالح توزير النائب فيصل كرامي، فليحصل هذا الأمر ولا مانع لدينا، اما توزيره على حساب حصتنا فهذا مستحيل، فمطلب ثلاث حقائب لثلاثة وزراء دروز من حصة «اللقاء الديموقراطي» محسوم وغير قابل للبحث، وأي طرح لأخذ وزير مسيحي مقابل التخلي عن وزير درزي سيُرفض بقوة مهما كلف الأمر.
وفي رأي النائب المذكور بأن هذا الموقف لجنبلاط سيشكل أبرز العقد امام التأليف، كما انه سيُحرج رئيس الجمهورية الذي، على ما يبدو، كان قد وعد النائب أرسلان بتوزيره في الحكومة العتيدة.
وبالنسبة للعقدة المسيحية فإن هذا النائب يلفت الى ان ما صرّح به النائب جورج عدوان والنائب جبران باسيل غداة اللقاء بالرئيس الحريري يعكس صورة غير مريحة، حيث ان «القوات» تسعى لأن تكون حصتها الوزارية على القدر ذاته الذي ستكون عليه حصة «التيار الوطني الحر» وهو أمر غير قابل للتحقيق بالتأكيد، كون ان السلوك السياسي الذي ينتهجه رئيس «التيار» لا يوحي بإمكانية معالجة هذه المسألة بسهولة، ولذلك فإن نقاشاً سيفتح لمعالجة هذا الأمر سيقوده الرئيس المكلف مع الجانبين وربما يتطلب ذلك تدخلاً غير مباشر من قِبل رئيس الجمهورية بعد ان بعث النائب عدوان إليه برسالة لن يتمكن الرئيس عون من تجاهلها، عندما قال بأن حصة «القوات» من حصة رئيس الجمهورية.
وناهيك عن ذلك، فإن النائب المطلع على مسار الحراك الحاصل حول عملية التأليف يلفت النظر إلى عقدة أساسية ستواجه الرئيس المكلف في ما خص التمثيل السنّي أيضاً، حيث لن يكون في مقدوره تجاهل النتائج التي أفضت إليها الانتخابات النيابية والتي جعلته غير قادر على الاستئثار بالحصة السنّية، وهذا ما سيحتم عليه التفاوض مع شركائه في التمثيل السنّي والذي سينتهي حتماً إلى توزير مَن هو ليس في فريقه السياسي.
ويكشف النائب ان «حزب الله» لن يتعامل هذه المرّة مع مسألة التأليف كما كان يتعامل في المراحل السابقة، فصحيح انه متفاهم على حصته من حيث العدد إلى أبعد الحدود مع الرئيس نبيه برّي الا انه يجاهر في مطالبته بأن تكون من حصته إحدى هذه الوزارات وهي: الاشغال، الصحة والعدل، وكان واضحاً النائب جميل السيّد في عكس هذا الموقف للحزب في التصريح الذي أدلى به من البرلمان حيث طالب بأن تكون وزارة العدل من حصة فريقه السياسي.
وفي رأي النائب ان ما جرى حتى الآن هو مجرّد استشارات بروتوكولية، وأن عجلة التأليف لم تنطلق بشكل فعلي بعد، فالمشاورات الحقيقية ستجري بعيداً عن الأنظار بعد عودة الرئيس المكلف من زيارته المتوقعة إلى الرياض لتذليل العقبات التي ابرزتها استشارات ساحة النجمة بحسب ما عكسه رؤساء الكتل في مواقفهم حيث كانت غالبية السقوف عالية، وقد وصل الأمر إلى حدّ مطالبة البعض بأن تكون الحكومة العتيدة مؤلفة من 32 وزيراً لتأمين اشراك الأقليات بوزيرين فيها، إلا ان هذا الطرح على ما يبدو لم يلق الصدى المطلوب لا عند الرئيس المكلف ولا عند بعض الكتل التي دعت إلى ان تكون الحكومة موسعة إنما بـ30 وزيراً لا أكثر.
ويعتبر ان رحلة التأليف ستكون مختلفة عن التكليف، وهي لن تكون مزروعة بالورود في حال تمّ اغفال نتائج الانتخابات، وذهب البعض إلى حكومة لا تكون على صورة المجلس الحالي.
ويخلص إلى القول بأن الرؤية حتى الساعة غير واضحة عند الجميع، وهم ينتظرون ان يضع الرئيس المكلف مسودة توليفة الحكومة ليبدأ في ضوء ذلك النقاش الحقيقي في عملية التشكيل.