رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط خائف من المستقبل. هو يخشى تقليصاً لنفوذه ودوره في طاحونة المتغيّرات. لكنه يراهن على الحدّ من الخسائر لأن لا «الثنائي الشيعي» ولا الحريري ولا القوى المسيحية يريدون الإطاحة بزعامته. والأهم يبقى رسم حدود التفاهم مع «حزب الله»، بعيداً من الاعتبارات الخلافية حول الملف السوري.
ليس سرّاً أنّ جنبلاط ليس مرتاحاً لحصته في الحكومة: وزيران من ثلاثين: التربية والدولة لشؤون حقوق الإنسان. لكنه مرَّر الأمر بلا اعتراضات مُهمة بناءً على نصيحة حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم خلق عراقيل جديدة تعوق تأليف الحكومة، فوق العراقيل التي تمّ تبديدها. لكنّ جنبلاط تلقى في المقابل تطمينات إلى أنّ حجمه وحصته ودوره السياسي ستكون كلها محفوظة، ضمن حدود مقبولة.
لم يعبّر جنبلاط عن استيائه من الحكومة الحريرية، على رغم مأخذين عليها: الأول هو أنه أراد حصة أكبر في حكومة من ثلاثين، والثاني هو أنه خسر في الحكومة الحالية دور «بيضة القبان» التي لطالما استند إليها ليكون قوياً في الحكومات السابقة.
ويمكن إضافة مأخذ ثالث هو أنّ الوزير السنّي المحسوب على عون، أي طارق الخطيب المنتمي إلى «التيار الوطني الحر»، والوزير الماروني المحسوب على الحريري غطاس خوري هما من الشوف، ما قد يفتح الباب على مساومات انتخابية بين الطرفين، قد لا تروق للمختارة. ويجدر التذكير بأنّ عدد الناخبين السنّة في الشوف يفوق بقليل عدد الناخبين الدروز، وأنّ عدد الناخبين المسيحيين يشكل الكتلة الأكبر.
لقد مرَّر جنبلاط الحكومة بالحدّ الأدنى من الاعتراض لأسباب ثلاثة:
1ـ لم يرغب في إظهار نفسه معرقلاً لحكومة العهد الأولى، ولحكومة صديقه العائد إلى السراي الرئيس سعد الحريري. وفي أيّ حال، هو يريد الاستجابة إلى رغبات القوى الدولية الحريصة على دعم الاستقرار، وتمنيات حليفه بري. وفي المحصلة، هو يريد أن «يسلِّف» الجميع مواقف إيجابية ليقطف ثمنها لاحقاً، خصوصاً في الانتخابات النيابية.
2 ـ هو يدرك أنّ دور الحكومة الحالية يكاد يقتصر على إنجاز قانون الانتخاب الذي لا يمكن أن يكون إلّا وفاقياً، خصوصاً بضمان بري. فكما حقَّق رئيس المجلس لفرنجية ما يريده في الحكومة مقابل تسهيل انتخاب عون، فإنّ جنبلاط ينتظر منه دعماً في ملف الانتخابات النيابية، خصوصاً في ما يتعلّق بهواجسه من اعتماد النظام النسبي.
3- استكمالاً لتنفيذ «إتفاق الطائف»، ينتظر جنبلاط فرصة لطرح ملف مجلس الشيوخ جدّياً على الطاولة. فهذا الأمر ينسجم مع خطاب القسم من جهة، ويُرضي مطالب عون والمسيحيين بأن تكون المسائل الحيوية مضبوطة تحت سقف مجلس الشيوخ المنتخب وفق القانون الأرثوذكسي.
ويطمح جنبلاط إلى أن تكون رئاسة هذا المجلس للدروز، فيحتفظ من خلالها بدور «بيضة القبان» بين القوى الطائفية والمذهبية، إذا فقد هذا الدور في مجلس الوزراء كما هو حاصل في الحكومة الحالية.
الأزمة الكبرى التي يريد جنبلاط التصدي لها هي النسبية التي يطرحها بري و»حزب الله». ولذلك، سارع إلى إطلاق النار عليها بعنف، من خلال «تويتر» لإفهام الجميع أنّ «هذا هو الخط الأحمر». وقد استعان بالمجلس المذهبي الدرزي لرفع الصوت داعماً له.
سيكون صعباً تطبيق النسبية مع الأخذ بهواجس جنبلاط فعلاً. فسواءٌ تمّ تطبيقها على مستوى المحافظات أو على مستوى الدوائر المتوسطة (الشوف وعاليه مثلاً)، فإنّ جنبلاط سيفقد جزءاً ملموساً من كتلته النيابية المتنوّعة طائفياً، أي إنه سيكون زعيماً للدروز فقط. ففي النسبية من المؤكد أنّ جزءاً من كتلة جنبلاط سيتقلّص لمصلحة ممثلي القوى المسيحية والسنّية والدرزية الأخرى.
بالنسبة إلى جنبلاط هذا كابوس. والبعض يسأل: كيف لبرّي أن يبتكر الصيغة التي تطمئِن جنبلاط من دون أن تشكل استثناءً للقاعدة المتّبعة في القانون، بحيث يقال إنّ قانون الانتخاب صيغ مرّة أخرى على قياس أشخاص وزعامات؟
ربما الأفضل لجنبلاط، وفق العارفين، هو استمرار العمل بقانون 1960، مع تعديلات ترضي المعترضين، المسيحيين تحديداً، في دوائر خارج الشوف وعاليه، علماً أنّ تحالف عون ـ جعجع سيترك أثره على مجريات الانتخابات المقبلة ونتائجها في غير منطقة لبنانية.
فالكثيرون يقولون لجنبلاط: حتى في قانون 1960، ستتخلّى عن نواب في الشوف وعاليه وبعبدا لعون أو الحريري أو سواهما.
في حساب المختارة أنّ النظام الأكثري يشكل ضماناً لزعامتها السياسية، وللدور الدرزي التاريخي في الجبل عموماً. وأما النسبية ـ أيّاً كانت أشكالها أو الدوائر المعتمدة، ولو جزئياً ـ فهي تتسبّب بقضم حجم وافر من الزعامة والدور.
ويردّ جنبلاط على القائلين إنّ كمال جنبلاط هو أول مَن طالب بالنسبية في دائرة واحدة بالقول: «آنذاك، كان هناك جوٌّ علماني، وكان لنا محازبون في الاشتراكي ومناصرون في كلّ لبنان».
وفي أيّ حال، الوقت المتبقي من المهلة الدستورية الخاصة بالانتخابات، لا يسمح باعتماد صيغة تأهيلية صعبة التنفيذ، تبدأ بالأكثري على مستوى القضاء، وتُستكمل بالنظام النسبي على مستوى دائرة أوسع. وأيّ طرح لصِيَغٍ من هذا النوع يعني تأجيل الانتخابات إلى موعد آخر، لأن لا وقت لتثقيف الناخب والمرشح وتدريبه على هذه الصِيَغ في المدة القصيرة المتبقية من المهلة الدستورية.
وطرح الإشتراكي و»المستقبل» و»القوات اللبنانية» القانون المختلط يضمن غالبية من 68 نائباً بالأكثري و60 بالنسبي، وهو تالياً يختلف عن المختلط الذي يقبل به الثنائي الشيعي، إذا تخلّى عن النسبية الكاملة، والقائل بالمناصفة، أي 64 نائباً لكلّ من النظامين.
لقد استدعت هواجس جنبلاط زيارة التطمين التي قام بها المسؤولان في حزب الله الحاج حسين الخليل والحاج وفيق صفا، والتي تؤكد حرص «الحزب» على مراعاة جنبلاط. وهذه الزيارة الأولى لوفد من «الحزب» بهذا المستوى لكليمنصو، علماً أنّ الاتصالات لم تنقطع يوماً بين جنبلاط و»الحزب» عبر صفا. كذلك يحرص جنبلاط دائماً على تعليمات واضحة لوكلاء الداخلية في الحزب، في المناطق كافة، للتنسيق التام مع «الحزب».
إنتهت الزيارة، وفق المطّلعين، بارتياح جنبلاط الذي نقل إلى الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله رسالة شفوية تؤكد حسن العلاقة ودوام التعاون بين الجانبين. ورشح أنّ جنبلاط أبلغ الى وفد «الحزب» أنه يتطلّع إلى موعد للقاء السيد نصرالله للبحث في الملفات كافة.
ولكن، كيف السبيل إلى تطمين جنبلاط إذا تمسكت القوى الشيعية بالنسبية؟
المتابعون يعتقدون أنّ «الثنائي الشيعي» يرفع سقف طروحاته إلى الحدّ الأقصى، ملوِّحاً بالنسبية لإدراكه أنها تسبّب القلق في صفوف غالبية خصومه. لكنه في النهاية سيكون مستعداً لإبرام الصفقات مع هؤلاء، إذا كان يُراد التخلّي عنها لمصلحة المختلط أو للبقاء على قانون 1960، مجمَّلاً ببعض التحسينات.
ويدرك جنبلاط أنّ مقداراً معيّناً من التنازلات قد آن أوانه هنا وهناك، لكنّ المهم هو استمرار الزعامة. وهذا الأمر لا خلاف حوله على الأرجح.