Site icon IMLebanon

مدرسة جنبلاط

قلب لوزة القرية الدرزية الادلبية، اختبار أليم اجتازه لبنان أيضاً، بحكمة العقلاء وحنكة القيادات السياسية الواعية.

فلنتصور ان الصوت الآخر كان الأعلى، والأكثر انصاتاً لدى جمهور الموحدين الدروز في لبنان، الصوت المنادي بالثأر والعشوائي والانتقام الأهوج، تحت عنوان العزة والكرامة، ودون حساب للعقل الذي هو عند الموحدين رأس الاشياء، فيه قوامها وفيه تمامها، هو سراج ما بطن وملاك ما علن.

نقطة ضعفنا، رؤية الاشياء بالمنظار الطائفي او المذهبي الضيق، ربط كل خلل او تصرف ارعن بالطائفة او المذهب… في قلب لوزة ليست المشكلة بين السنة والدروز، بل بين طرف يتظلل راية السنّة، ليتغلب على اي طرف آخر، حتى ولو كان سنياً، بدليل ما يحصل بين النصرة وداعش في سوريا، وبين داعش والصحوات العشائرية في العراق…

وعلى المستوى الشيعي، ليست المشكلة شيعية في العراق، بل مشكلة ايران التي ركبت صهوة المذهب الشيعي، لتعيد امجادا سبقها اليها العثمانيون على متون اهل السنة العرب وغير العرب.

ويلاحظ الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، ان هذه الاطراف الرافعة لراية الاسلام، كل باللون الذي يريد، تتخطى احد اهم قوانين الاسلام المانعة للاحتراب في الاشهر الحُرم الاربعة، التي نحن ضمن اطارها اليوم!

هنا وهناك احزاب حُكمت وتحكمت واساءت الحكم، في دول المحنة العربية والاسلامية المفتوحة، لمصلحة الممول والدافع والمرشد، وعلى حساب الاوطان واهل الاوطان، وتحت غطاء المذهب او الدين.

الذين ذهبوا من لبنان الى سوريا لنصرة النظام لم يحسبوا، ما بعد التالي من الايام، ومثلهم الذين اتوا من العراق او من بلدان عربية واسلامية اخرى، مع النظام او ضده. اما النظام نفسه فقد افقدته لعبة الاقليات ومعادلاتها المدمرة، القواعد البديهية للحساب.

يمكن القول، وبالتجربة والاختبار، ان وليد جنبلاط وحده من يجيد القراءة والحساب، في المدرسة السياسية اللبنانية.

المرحوم كمال جنبلاط كان يترك لاعضاء قيادة الحركة الوطنية ان يتناقشوا بالأمور المطروحة، فيقول كل منهم ما يرى ويريد، وفي نهاية النقاش تكون الكلمة الأخيرة للقائد.

وفي الحدث المؤلم في قلب لوزة، ترك جنبلاط الابن، للآخرين في طائفة الموحدين، الباحثين عن الرضى أو عن باب لتسديد الفواتير، ليقولوا ما يخدم ادوارهم واغراضهم، فأظهروا الطائفة وكأنها المستهدفة، ومعها الأرض والعرض، ودون تبصر بمآل مغامرات المغامرين، وبتجارات المتاجرين بعواطف جمهورهم ومشاعره.

وكان الرأي فوق شجاعة الشجعان كما يقول المتنبي… لقد خسرت قلب لوزة عشرين أو ثلاثين شهيداً، ظلماً وبلا مبرر، من أصل ٣٠٠ ألف مواطن سوري سقطوا بشتى وسائل الموت على امتداد السنوات الأربع الماضية، لكن بالموقف الوطني الصلب لوليد جنبلاط، مدعوماً بشبه إجماع دروز لبنان وسوريا، انتزعت طائفة الموحدين، اعتذارا من جبهة النصرة ربما لا سابقة له، وترحيباً لبنانياً، وطنياً واسلامياً، قلّ نظيره، واعجاباً عربياً ودولياً يثير الاعتزاز، وهذا ما عجّل بانزواء أصحاب الأصوات الناعقة بالخراب، القصيرة النظر، أو الطويلة الطموحات…

والمؤسف ان الاستثمار بالدين أو المذهب ما زال أفضل التوظيفات في الحروب العبثية، واللافت انه في الوقت الذي كان فيه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يتصدّى لدعاة مذهبَة المشكلة الفردية بين جماعة جبهة النصرة وأهالي القرية الدرزية في ادلب السورية، كان فريق سياسي لبناني اسلامي من حواضر الثامن من آذار يطرح مبادرة سنّية وطنية!

والسنّة أحد المذاهب الرئيسية في الاسلام لكن ليس في تاريخهم التعبير عن أنفسهم كسنّة، انما عنوانهم الاسلام ومداهم الأمة الاسلامية… وفي لبنان بالذات، لم يسبق ان سمّي لقاء أو تجمّع أو أي اطار سياسي باسم السنّي، فيما تمتلئ الساحة اللبنانية بالمجالس الشيعية والعلوية، والمذهبية الدرزية والروابط المسيحية المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية، وحتى مفتي الجمهورية هو مفتي المسلمين في لبنان، لا علم ولا عنوان يحصر دوره بمذهبيته السنّية!

من هنا كان الاستغراب الكبير والعتب الأكبر على من أطلقوا مبادرة الأوهام، ومن شارك معهم بالمباشر أو واكبهم نعمته، فالسنّة مذهب في الاسلام، ولم يسبق تحويل هذا المذهب الى مطيّة سياسية لمن لم يحسنوا ركوب خيول الوطنية الصحيحة، أو المدفوعين الى تبرير مذهبيات سواهم، ولو أوقعتهم مثل هذه الدعسة الوطنية الناقصة، في حفرة النسيان…