في الوقت الذي تطحن فيه الحروب في المنطقة البشر والحجر، فاجأ رئىس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط الجميع بترميمه كنيسة سيدة الدرّ في المختارة وجمع في قصره الاطراف السياسية كافة من آذاريين ووسطيين مستغلاً المناسبة لتكريس المصالحة في الجبل بعد 15 عاماً على ارسائها، معلناً ان «حرب الجبل ولت الى غير رجعة»، معتبراً ان «التجارب السياسية والعسكرية اثبتت ان اي اثمان في سبيل السلم ارخص بكثير من الحرب والقتل والدمار» وهو يدرك تماماً ان كلامه سيبقى صارخاً في البرية على حدّ قول اوساط مقربة من البيك دون الوصول الى آذان من يعنيهم الامر على الصعيدين المحلي والاقليمي حيث انجاز الاستحقاق الرئاسي عالق بين فكيهما.
من قرأ وجه الزعيم الدرزي اثناء القائه كلمته وجد في تقاسيمه الكثير من القلق والمرارة وربما الرعب، على حدّ قول المصادر عينها، لا سيما ان جنبلاط سيد في الاستشراف وقارىء للتاريخ من الدرجة الاولى يعرف بحكم علاقاته الواسعة من باريس وصولاً الى واشنطن ان الشغور الرئاسي يشكل مقتلاً للجمهورية في زمن تغيير الدول وزوال الحدود التي ارساها اتفاق سايكس ـ بيكو، فاراد من خلال جمع اللاعبين على مختلف تناقضاتهم ورهاناتهم الخارجية ان يقرع جرس انذار قبل خراب البصرة، فهو على قناعة كما رئىس مجلس النواب نبيه بري ان الملف اللبناني موضوع على الرفوف الدولية حتى اشعار آخر، وان اللامبالاة الدولية الاميركية الاوروبية والروسية قد يكون لها وجه ايجابي يتيح للمعنيين بالتقاط الفرصة لانتاج رئىس صنع في لبنان راجياً «أن تدر علينا الايام المقبلة رئىساً للجمهورية كي نحفظ لبنان من الرياح العاتية»، محملاً الاقطاب الموارنة بطريقة غير مباشرة مسؤولية الشغور في القصر الجمهوري، وكاد يقول «خذوا ما تريدون بس «خلصونا بقى»».
واكدت الاوساط ان جنبلاط كان سباقاً في دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية اثر تلقي الاخير مكالمة من الرئىس الفرنسي فرنسوا هولاند دون ان يعلم ان الدوائر الفرنسية اخطأت التقدير في مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية واعتبرتها مبادرة سعودية، ولكنه اثر ذلك ومع ثبات «حزب الله» على ترشحه العماد ميشال عون وتبني رئيس حزب القوات اللبنانية» هذا الترشيح لم يقف جنبلاط حجر عثرة بل بلغت لديه الليونة اعلانه السير في ترشيح الجنرال الا ان الامور بقيت في خانة «مكانك راوح» وسط اصرار فرنجية على السير بالمعركة الرئاسية حتى النهاية طالما بقي نائب واحد الى جانبه.
وتشير الاوساط الى ان استعجال جنبلاط على اغلاق الملف الرئاسي لا يأتي من فراغ، ولا سيما ان معركة حلب تتوقف على نتائجها مصائر شعوب المنطقة وفي طليعتها البلد الصغير المصاب بنقص المناعة المكتسبة، ناهيك بخشية جنبلاط من تحريك واشنطن للجبهة الجنوبية وسط معلومات تشير الى ان حشوداً عسكرية يتم تجهيزها في الاردن لاجتياح درعا اثر تعرض الاردن لعمليتين ارهابيتين نفذهما «داعش» انطلاقاً من الحدود السورية – الاردنية. وما يعنيه الامر من خطورة على دروز جبل العرب انطلاقاً من السويداء.
ولعل اللافت وفق الاوساط نفسها ان كلمة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي جاءت مكملة لكلمة جنبلاط معلناً فيها ان «لا جدوى من طرح كل المواضيع قبل انتخاب رئيس للجمهورية» معتبراً «اننا بحاجة الى المصالحة السياسة الوطنية الكبيرة بين 8 و14 آذار والوسطيين». وما استوقف المراقبين غياب المرشحين الرئاسيين عون وفرنجية عن الحفل ولم يكن ممثلاهما من الوزن الثقيل، فقد مثل عون النائب ناجي غاريوس بينما مثل منسق «تيار المردة» في بعبدا بيار بعقليني فرنجية، ويبقى امل جنبلاط في انضاج الطبق الرئاسي معلقا على اعجوبة قد تجترحتها سيدة الدر في زمن ولت فيه المعجزات.