IMLebanon

شهادة جنبلاط تعود إلى العام ٢٠٠٥

 

أعاد النائب وليد جنبلاط في شهادته أمام المحكمة الدولية ربط الأحداث الفاصلة عن اغتيال الشهيد رفيق الحريري بشكل تسلسلي ومترابط ومُحكم، محمّلاً النظام السوري مسؤولية الاغتيال، ومُحيّداً «حزب الله» كأن لا قرار ظنّياً في القضية

شهادة النائب جنبلاط تعود إلى العام ٢٠٠٥ عندما توجّهت أصابع الاتهام مباشرة إلى سوريا في ردّ فِعل سياسي وشعبي عفويّ مَردّه إلى مجموعة وقائع واعتبارات أهمّها القبضة السورية على لبنان، واستعداد النظام السوري للتخلّص من كل مَن يحاول رفع هذه القبضة.

هذا ما حصل سياسياً لا أمنياً مع نَفي العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميّل، واعتقال الدكتور سمير جعجع وتدجين الساحة المسيحية التي كانت وحدها عملياً بعد العام ١٩٩٠ ضد الوصاية السورية على لبنان.

وهذا ما حصل أمنيّاً بعد ١٥ عاماً على انتهاء الحرب باغتيال الشهيد رفيق الحريري، لأنه بدأ يتقاطع مع المسيحيين المعارضين للنظام السوري، ويشكّل معهم وجنبلاط جبهة سياسية معارضة تحت عنوان تطبيق اتفاق الطائف.

وقد هيّأت مواقف جنبلاط والحريري القاعدتين الدرزية والسنية لتحقيق الانتقال من مرحلة التأييد للنظام السوري إلى مرحلة الخصومة معه، والتقاطع مع القاعدة المسيحية في سياق مسار وطني شهد في ١٤ آذار ٢٠٠٥ أوسع تظاهرة في تاريخ لبنان دَعت إلى إخراج الجيش السوري من لبنان واستعادة السيادة والاستقلال ومحاكمة قتلة الشهيد الحريري.

وعلى أهمية الانطباعات الشعبية وحكم الناس التي ظهرت في العام 2005، والتي غالباً ما تصحّ كونها تشكّل تعبيراً صادقاً عن معاناة طويلة والتصاق بالواقع وأحداثه، ولكن الأساس يبقى لعمل القضاء في بحثه وتحقيقه عن هوية المجرم والمجرمين، حيث أنّ الأدلة الأولية التي قدمتها المحكمة الدولية من خلال قرارها الاتهامي لم تذهب للظنّ بغازي كنعان ورستم غزالة وآصف شوكت وغيرهم من القيادات الأمنية السورية، بل اتهمت ستة عناصر من «حزب الله» بارتكاب الجريمة، وبالتالي بمعزل عمّا إذا كان الحكم سيثبت هذا الاتهام أم يدحضه، غير انه لا يمكن تجاهل هذا المعطى الجديد الذي يعتبر من إنجازات المحكمة الدولية.

فما قبل القرار الاتهامي غير ما بعده، لأنّ الاتهام قبل القرار كان من طبيعة سياسية وموجّه ضد النظام السوري، وبعد القرار أصبح الاتهام من طبيعة قضائية وموجّه ضد «حزب الله». وبالتالي، استمرار التعامل مع اغتيال الحريري انطلاقاً من ردة الفِعل الشعبوية الطبيعية لحظة الاغتيال وكأنّ المحكمة لم تنشأ، يعني بشكل أو بآخر رفض الوصول إلى الحقيقة والعدالة والتمسّك باتهامات سياسية غير مقرونة بإثباتات قضائية.

وما تقدّم لا يعني تبرئة النظام السوري المسؤول الأوّل عن هذه الجريمة، كونه المتضرر الأكبر من خروجه من لبنان، ولكن الضرر الذي يصيبه يَلحق بكلّ محور المقاومة أيضاً، هذا المحور الذي جاءت الحرب السورية لتؤكد بأنه يعمل بالتكافل والتضامن على قاعدة أنّ استهداف أيّ مكوّن من مكوّناته هو استهداف لكل مكوّنات المحور،

وهذا ما ظهر في القتال في سوريا والعراق والدفاع المستميت عن اليمن. وبالتالي، اغتيال بحجم الحريري لا يمكن أن يُتّخذ على مستوى مكوّن من مكوّنات محور المقاومة، بقدر ما يؤشر إلى قرار مركزي على مستوى المحور نفسه من عملية اتخاذ القرار وصولاً إلى التنفيذ.

وأيّ تجاهل لهذا الواقع ومحاولة الفصل بين مكوّنات الممانعة ومسؤوليتها من خلال اتهام مكوّن وتبرئة آخر أو عدم الإتيان على ذكر دوره، يعني الإصرار على مواصلة تسييس هذه القضية، هذا التسييس الذي أساء للمحكمة، لأنه لا يجوز اتّهام سوريا حيناً وتبرئتها حيناً آخر، ومن ثم اتهام «حزب الله» وتبرئته، وكل ذلك من منطلقات سياسية-شخصية تقتضي بالتبريد في هذه المرحلة مع هذا الفريق والتسخين مع ذاك الفريق، فضلاً عن أنّ هذا السلوك يؤدي إلى تكوين انطباع لدى قضاة المحكمة بأنّ اللبنانيّين براغماتيون لا مبدئيين،

ويتعاملون مع المحكمة كورقة يستخدمونها في وجه أخصامهم في لحظة المواجهة فقط، أي يوظفّونها ضمن حساباتهم السياسية، فيما المحكمة يجب أن تكون فوق الشبهات، وهي كذلك من خلال عملها الاحترافي الذي يشكل فرصة استثنائية للبنان. وبالتالي، من الأجدى تركها تواصل عملها القضائي البحت بعيداً عن الاتهامات العشوائية، ولكن باحتضان لبناني ورهان على نتائجها.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل العدالة في قضية الحريري وكل الشهداء والشهداء الأحياء هي مطلب المجتمع الدولي الذي يجب تركه لمتابعة المحاكمات ببُعد قضائي وتقني ومن دون مواكبة لبنانية، أم مطلب اللبنانيين أو القسم الأكبر منهم الذين ناضلوا في سبيل قيام هذه المحكمة من أجل تحقيق العدالة للوصول إلى الحقيقة والمصالحة ووَقف الجريمة السياسية؟

وهل المحكمة هي هدف من أهداف المجتمع الدولي أم أحد أبرز أهداف القسم الأكبر من اللبنانيين الذين يراهنون على هذا المسار من أجل إخراج لبنان من دول العالم الثالث التي لا تقيم أيّ اعتبار للانسان؟

فالمحكمة من دون حاضنة لبنانية هي كالجسد من دون روح، والخشية من أن تفقد حاضنتها مع الوقت وبفِعل الظروف والتطورات، وأن تتحوّل إلى ملف للمقايضة أو التبسيط والتهميش والإهمال.