أسباب دعوة الراعي إلى عقد اجتماعي.. مختلفة
جنبلاط يرمي حجراً في بركة «الطائف» الراكدة
يبدو النائب وليد جنبلاط أحياناً كأنه يغرد، ليس خارج السرب فقط، إنما خارج فضاء الاهتمامات أو الاولويات اللبنانية أيضاً. فوسط انشغال اللبنانيين بحوارات الحد الأدنى وكيفية تجنيب البلد تداعيات الحروب المتعددة من حوله، بادر جنبلاط بالامس الى اقتراح تعديلات على الطائف من دون مسّ بجوهره.
لم يخف جنبلاط خلفية اقتراحه. أشار إلى ثغرة محددة في الاتفاق تجعل «من الوزير يتحكم بالإدارة ويتسلط عليها على حساب الكفاءة، الوزير اليوم في عهد الطائف تعيين سياسي». في حين أن رغبة جنبلاط، كما قال في «تغريدته»، هي في «الحفاظ على الإدارة كجسم مهني محترف».
كثر من الاطراف السياسيين يشاركون جنبلاط في ضرورة إجراء تعديلات على الطائف. كل لأسبابه، إلا أن أحداً لا يعتبر أن التوقيت مناسب لمثل هذا الطرح.
ذكّر جنبلاط أن «الطائف كان تسوية سياسية أتاح للحزبية على شتى التلاوين الإمساك بالإدارة على حساب الكفاءة». اختار هذا العنوان «التفصيلي»، على أهميته، ليبرر دعوته لتعديل الاتفاق الاشهر الذي يحكم الحياة السياسية والدسـتورية للبنان منذ إقراره.
على جبهة مقابلة، لطالما دعا البطريرك بشارة الراعي، ومنذ الاسابيع الاولى لانتخابه بطريركاً، إلى «تجديد العقد الاجتماعي تصحيحاً لوثيقة الاتفاق الوطني التي صدرت عن اتفاق الطائف». كرر البطريرك موقفه مرات ومرات قبل أن يأتي من يقنعه أن «الزمن ليس زمن تعديلات وعقود جديدة للمسيحيين، وبالتالي عليهم الاكتفاء بتحسين تطبيق الطائف ونزع كل تأثيرات عهد الوصاية عنه».
لم تكن هواجس الراعي تنطلق مما اشّر اليه جنبلاط بالامس قائلاً «الطائف وبوحي بعثي جعل الحزبية تتصدر الكفاءة. آن الأوان وبدون المس بجوهر الطائف لإجراء تعديلات في السياق الذي تحدثنا عنه لئلا يبقى لبنان بلد الفرص الضائعة».
لرغبة الراعي بادخال تعديلات على الطائف اسباب اخرى، ابرزها صلاحيات رئيس الجمهورية الضائعة، اضافة الى مجموعة ملاحظات جوهرية وتفصيلية، لكن تبقى كلها تفاصيل امام العقبات التي تحول دون انتخاب رئيس، والتي لا يجد لها الراعي اي مسوّغ.
في المقلب المسيحي تحفظات كثيرة على «اتفاق الطائف»، لكن الجميع يهادن. «التيار الوطني الحر» وحلفاؤه الذين عارضوا الاتفاق منذ ما قبل صدوره، لم يتحولوا الى معجبين به. هم يراعون الاولويات ويحاولون تحسين الممكن في انتظار فرصة مناسبة «تعيد التوازن الحقيقي الى السلطات في البلد، وهو الخلل الابرز في الطائف، برأيهم».
مسيحيو «14 آذار» يتمسكون بالطائف ويصرون انه «لم يطبق حتى الآن بروحيته. اما تعديله فله شروطه وظروفه التي لا يمكن ان تكون في هذه المرحلة المتفجرة التي لا نحتاج فيها الى اسباب خلافية جديدة». لا يدافع هؤلاء عن الاتفاق بالمطلق لكنهم يخشون البدائل.
ويصعب ان تجد فريقا سياسيا او حزبيا سنيا يتقبل تعديل الاتفاق. حتى المتنافسون والمختلفون على الساحة نفسها يتوافقون على «حسنات الطائف» وأهميته. يشاركهم الرئيس نبيه بري نسبيا. فالاستقرار المقبول الذي ارساه «الطائف» جعل بري يكرر في اكثر من مناسبة «الالتزام بالطائف وحبة مسك». اما «حزب الله» الذي لديه ملاحظات على الاتفاق وتطبيقاته، فليس حكما في وارد فتح جبهة جديدة وسط جبهاته الكثيرة المفتوحة.
لذا قد يندرج كلام جنبلاط في خانة تعبئة الفراغ السياسي او رمي حجر في بركة راكدة. جنبلاط نفسه اخذ في الاعتبار «العقبات الكبرى والاعتراضات الشتى»، متمنيا «فقط التفكير بهذه التوجهات».. وعينه على أداء جبران باسيل في وزارة الطاقة!