مع الإعلان عن افتتاح معبر «جابر نصيب» رسمياً بين سوريا والاردن، تنفّس الصناعيون والمزارعون اللبنانيون الصعداء، في اعتبار أنّ إعادة العمل بهذه الرئة الحدودية ستسمح لهم بالتنفس مجدداً، بعد اختناق صادراتهم واحتباسها منذ اقفال المعبر قبل سنوات. ولكن يبقى السؤال: هل يمكن القول، إنّ لبنان ربح ورقة «نصيب» وسيكون من الفائزين بالجائزة الكبرى، أم أنّ حصّته لن تتعدى حدود جائزة الترضية؟
بدا واضحاً من كلام رئيس الجمهورية ميشال عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم امس أنّ بيروت تتصرّف على قاعدة انّها مستفيدة أساسية من فتح معبر نصيب، وشريكة في قطف ثمار مردوده الإقتصادي، إنطلاقاً من كونه شرياناً حيوياً لمرور الصادرات اللبنانية نحو عمق الأسواق العربية.
والأرجح، انّ هذا الموقف الرسمي يستند الى حصيلة التشاور اللبناني- السوري بعيداً من الاضواء حول الترتيبات المتعلقة بهذا المعبر العائد الى الخدمة، مع الاشارة الى انّ التشاور الثنائي يتمّ عبر القناة المعتمدة بين قصر بعبدا ودمشق، وكذلك عبر قناة التنسيق المفتوحة بين اللواء ابراهيم وعدد من المسؤولين السوريين.
امّا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي تفصله هوة سحيقة عن دمشق، فقال لـ»الجمهورية» إنّ موقفه السياسي من النظام السوري معروف «ولكن هناك أمور حياتية يجب ان تأخذ مجراها وهذا من شأن المسؤولين المعنيين»، موضحاً انّه يميّز بين عدائه للنظام وبين الجغرافيا السياسية «التي تفرض أحكامها وتُحتّم التعامل بواقعية مع مسائل تتصل بمصالح إقتصادية وما شابه».
ويكشف جنبلاط من جهة أخرى عن انّه سيلتقي اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون، موضحاً أنّ عون دعاه الى الإجتماع به بعد ظهر اليوم، ومشيراً الى انّ البحث سيتناول مواضيع عدة، من بينها الملف الحكومي.
السفير السوري
على الضفة الأخرى، يقول السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي لـ«الجمهورية» إنّ «المطلوب بالترافق مع إعادة فتح معبر «نصيب» أن يتوقف البعض في الداخل عن استخدام الخطاب الحاد والاستفزازي ضد سوريا، لأنّه لم يعد له مكان بعد الآن في ظل التحوّلات الميدانية والسياسية، إضافة الى انّه ليس منطقياً ان يستمر هذا البعض في مهاجمتنا ثم يطلب في الوقت نفسه ان تكون أبواب معبر «نصيب» مشرّعة».
ويضيف: «نحن لا نريد الإنتقام، ولسنا في هذا الوارد، لأنّ لبنان لا تختصره قلّة بل يمثله خط المقاومة ورئيس الجمهورية والقوى الاصيلة. ونحن نحترم هؤلاء ونقدّر مواقفهم، لكن هذا لا يمنع انّ على أصحاب الطروحات السلبية والعدائية أن يقفوا أمام المرآة ويراجعوا أنفسهم، لأنّ ما يصدر عنهم يضرّ بلبنان ومصالحه الحيوية قبل سوريا».
ويشير علي الى «انّ هناك في لبنان من صوته ليس له، بل هو صدى لضغوط خارجية، ونحن نتمنى أن يكون كل طرف سيّد موقفه، وأن يضع المصالح الوطنية في الأولوية وفوق كل اعتبار».
ويقول: «إننا نحترم كل المقامات الرسمية في لبنان، حتى وإن كان بعضها قد أساء الينا احياناً، وأعتقد انّ اللحظة الحالية مناسبة لكي يعرف أصحاب الرهانات والخيارات الخاطئة أهمية العلاقة اللبنانية – السورية بكل أبعادها وأن يتصرّفوا على هذا الأساس».
ويلفت الى «انّ سوريا فتحت أخيراً أسواقها أمام صادرات الموز التي مُنحت كل التسهيلات، استجابة لمطلب المزارعين في الجنوب، وهذا مؤشر إضافي الى انّ دمشق حريصة على تعزيز المصالح المشتركة بين الشعبين وحمايتها»، ويضيف: «حدود لبنان هي مع سوريا وفلسطين المحتلة والبحر، وبالتالي فانّ التنسيق والتعاون بيننا هو من مفاعيل الجغرافيا والتاريخ».
ويشدد على «ضرورة توحيد الخطاب الرسمي اللبناني حيال سوريا»، مشيراً الى «انّ ما يجمع بين البلدين هو أقوى مما يجمع على سبيل المثال بين سكان مقاطعة كاليفورنيا»، ومعتبراً «انّ سوريا تتعافى وهناك مصلحة للبنانيين في الإنفتاح عليها والإستثمار في هذا التعافي».
ويشير علي الى «انّ مصلحة لبنان المباشرة تقضي بالتعاون والتنسيق مع سوريا، حتى وفق حسابات الربح والخسارة قبل أي اعتبار آخر، لأن موازين القوى تبدّلت والمشاريع المضادة سقطت، وبالتالي فإنّ الواقعية على الاقل تستوجب من البعض مقاربة مغايرة للعلاقات المشتركة».