يُصرّ النائب وليد جنبلاط على تصنيفه الخاص للمنظمات الإرهابية في سوريا ولبنان، وهو كما رفَض تصنيفَ الأميركيين «حزبَ الله» منظّمةً إرهابية، يرفض تصنيفَهم «جبهةََ النصرة»، الأمر الذي اضطرَّ مَن شمَلهم التصنيف الأميركي سابقاً أن يجاروه اليوم. فما الذي يراه جنبلاط ويقوله؟
سيَبقى تصنيف جنبلاط للمنظمات الإرهابية، موضع نقاش الى حين. ومن الطبيعي أن تتوزَّع الآراء بين رافض ومرحّب ومعترف بالخصوصية الجنبلاطية. فلرئيس «اللقاء الديموقراطي» نظرية متكاملة يُدافع عنها الى النهاية، وهو التقى أمس بعضاً من قياديّي حزبه لمناقشة التطورات، فشدّد أمامهم على أنّ مواقفه منسجمة مع ما يراه مناسباً لعبور المرحلة التي تشهدها المنطقة بأقلّ خسائر ممكنة، وفي ظلّ المخاطر التي تتهدَّد كيانات الدوَل وإعادة النظر في حدودها، عدا عن الإنقسامات الداخلية على خلفياتها الطائفية والإتنية التي يمكن أن تُهدّد دوَل الجوار بفعل الامتدادات الديموغرافية والعشائرية المتداخلة في ما بينها.
ويقول قريبون من جنبلاط إنّه أطلقَ مواقفه الأخيرة، وفي ذهنه مصلحة وأمن شريحةٍ من الناس يَعتبر نفسَه مسؤولاً عنها، وقد أَولته هذه المهمة. فتصنيفُه الخاص بـ«جبهة النصرة» مثلاً، ينطلق من كونهم شريحة سوريّة صافية لا تضمّ في صفوفها غرباء، وهي في انتشارها داخل سوريا وعلى الحدود اللبنانية مع شرائح تنتظر رأيه في ما يحصل.
وسأل جنبلاط: «ما الذي يُجبرنا على اعتماد التصنيف الأميركي والغربي والدولي، فيما نرى مسؤوليهم يبحثون لهم عن دور في مستقبل البلاد. فهناك تصنيف اعتمَده أطراف يعيشون في واشنطن وباريس ونيويورك بوَضع «حزب الله» على اللوائح الإرهابية ولم يُغيّروا شيئاً في ما يحدث، لا في لبنان ولا في سوريا.
نحن رفضنا يومَها هذا التوصيف كما نرفضه اليوم بالنسبة الى «النصرة»، من دون أن نَبنيه على خلفيات كيدية، بل لأننا نعرف أكثر منهم طبيعة ما يحصل عندنا وفي سوريا، فمَن يأكل العصيّ ليس كمَن يُحصيها، خصوصاً عندما نرى أنّ مَن صنَّفهم يبحث معهم في الحلول الممكنة، لا بل يطالبهم بمواقف وتصرّفات ليكون لهم رأي في مستقبل بلادهم.
وفي معزل عن هذا الرأي، نرى أنّ الخطط التي وضعَها الحلف الدولي في العراق وسوريا والمنطقة عموماً، ما زالت بلا أفق، ولا خريطة طريق واضحة، ويمكن أن تتبدّل بين فترة وأخرى لأنها بُنيَت على ما يوفّر مصالحهم وليس مصالحنا. فالتسويات والمفاوضات والصفقات تحصل تحت الطاولة وفوقها، وما تشهده بغداد وأنقرة وعواصم أخرى يترك الباب مفتوحاً على شتّى المفاجآت.
فهل نَسينا الاعتراف الدولي بمنظمات سبقَ وأدرِجت على اللوائح الإرهابية مثل «طالبان» ومنظّمات أخرى في باكستان والصومال والعالم، حتى إنّها باتت اليوم طرفاً في مفاوضات تقودها الدوَل التي صنَّفتها، للإفراج عن رهينة هنا أو هناك، وللبَتّ في قضايا عدّة في بلدانهم وصولاً إلى تكوين السلطة؟
وها هو الرئيس السوري بشّار الأسد قد صنَّف ثورة شعبه السلمية منذ اليوم الأوّل بالإرهابية، قبل أن تنتقل الى حركة مسلّحة، فهل تغيَّر شيء في سوريا؟ وهل تمكّنَ من معالجة ما تشهده؟ وها هو «حزب الله»، الذي قال إنّه يدافع عن المقدّسات، بينما وصل مقاتلوه إلى دمشق وحماه بعد حمص، فيما يُهدّد المسلحون جرود بريتال وفليطة، فهل تغيَّر شيء؟».
وأضاف جنبلاط: «على كلّ حال، لا يعني هذا التصنيف أنّنا نبارك أو نرضى بما فعلوه خارج الأراضي السورية، خصوصاً في جرود عرسال وبريتال والسلسلة الشرقية من لبنان، والاستمرار في خطف عسكريّينا. ليس لشيء سوى أنّه أمرٌ مُدان، وقد سجّلنا موقفَنا في حينه وما زلنا عنده شكلاً ومضموناً».
ولكن، يختم جنبلاط: «هل يمكننا تجاهل أنّ ما تشهده عرسال ومحيطها هو جزء من النزاع الإقليمي في سوريا وعليها؟ ولو لم يُقحِم لبنانيون أنفسَهم في الداخل السوري بنحو مباشَر أو غير مباشر، فهل كان يمكن أن يحصل ما حصل؟ أو كنّا قد تجنّبنا كثيراً منه؟»