IMLebanon

البركان الجنبلاطي: أنا مشاغب… إذاً أنا موجود

 

 

سؤال موحّد يتقاطع بين المقار الرئاسية والرسمية ويتجاوز كل الضجيج الذي أثارته “المضبطة الاتهامية” التي كالها وزير الصناعة وائل أبو فاعور بحق العهد: وليد جنبلاط… إلى أين؟

 

يجمع المعنيون على أنّ نقل المواجهة من قبرشمون إلى الحديقة الخلفية لقصر بعبدا، هو المسألة بعينها. البقية “ملح وبهارات” قابلة للمعالجة. أما الأساس، فيكمن في السؤال المقتفي آثار “الانتفاضة” الجنبلاطية ومدى توسّعها، ظروفها الموضوعية، مفاعيلها، حدودها، ارتباطاتها الخارجية…

 

باتت كل التساؤلات مشروعة بعدما رفع جنبلاط سقف مواجهته إلى حدوده القصوى. رسم خطّاً فاصلاً بين ما قبل السادس من آب وما بعده. أعلنها “حرباً مفتوحة” ضدّ عهد الرئيس ميشال عون. ولذا تتكوّم علامات الاستفهام حول الخلفيات الحقيقية لهذا التصعيد.

 

لجأ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” إلى “العنوان الوجودي” شاكياً من محاولات “استهدافه” و”تحجميه”، وسعى إلى ترويج نظرية “المخطط المشبوه” لدى عواصم القرار الدولي من خلال ممثليهم في بيروت. وها هي الولايات المتحدة تستجيب للنداء “الاشتراكي” وتسطّر بياناً تعلن فيه رفضها “أي محاولة لاستغلال حادث قبرشمون لتعزيز أهداف سياسية”.

 

ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ خصومه بصموا على تلك “النظرية”. لا بل راحوا يبحثون عن قطبة مخفية في كومة “انتفاضته” تتم حياكتها بصمت على وقع التطورات الاقليمية، تهدف إلى إعادة تطريز ثوب 14 آذار، وما بيان السفارة الأميركية إلا أولى خطوات “تدويل” الأزمة، على نحو يعيد تكرار مشهد تدويل قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما بعده.

 

غير أنّ بعض المعنيين يجزمون أنّ المواجهة التي يخوضها “الحزب التقدمي” ضدّ الفريق البرتقالي، محدودة في أبعادها. جلّ ما في الأمر أنّ جنبلاط يطلق صرخة في برية عزلته ليفرض نفسه شريكاً في معادلة النصف الثاني من العهد العوني. وجّه صرخته إلى “حزب الله”، بالمناداة وبالرسائل، لكن “الحزب” طنّش، فحوّل احداثياته نحو بعبدا بعدما مررت له الكرة على نحو مجانيّ.

 

وفق هؤلاء، يعود سبب أزمة التعطيل التي تشهدها البلاد، إلى رفض جنبلاط “مبادرات الصلحة” التي أبطلها جملة وتفصيلاً كونها لم تقرن بضمانات سياسية يقدمها “حزب الله” بشكل مباشر. ولهذا نفض المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يديه استسلاماً، وها هو الرئيس نبيه بري “يطفئ محركاته اقتناعاً منه بأنّ التصعيد الحاصل لا يخدم البلد”، فيما نقلت عنه مصادره “رفضه التدخل بعد كلام عون الأخير”.

 

أما التصعيد الجنبلاطي فيعود، وفق المعنيين، إلى اقتناع زعيم المختارة، وفق المعطيات التي توفرت لديه، أنّ رئيس الجمهورية وفريقه السياسي يعتمدان على المسار القضائي، ليعوّضا ما قد يفوتهما في المسار السياسي فيما لو نجحت مساعي اعادة لمّ الشمل الحكومي.

 

ومع ذلك، يرفض العونيون الانجرار إلى “حفلة السجال” التي أطلقها أبو فاعور وتحوير الإشكال إلى أزمة مسيحية – درزية، مكتفين بالبيان الذي تلاه النائب ابراهيم كنعان بعد انتهاء اجتماع “تكتل لبنان القوي”، ليشيروا إلى أنّ البيان عبّر خير تعبير عن مزاج الفريق العوني وقد تمّت صياغته بـ”ميزان جوهرجي”. فيما زاد عليه الرئيس عون أمس تأكيده أنّ “من يرفض العدالة يرفض المجتمع الذي لا يمكنه العيش في الفوضى”.

 

ويؤكدون انّ القضاء سيقول كلمته وبالتالي لا حاجة لمزيد من “الزيت” على النار، خصوصاً وأنّ التحقيقات أثبتت أنّ “الاشتراكيين” تصرفوا بمنطق إلغائي حين قالوا بصريح العبارة، كما بيّنت التسجيلات الصوتية، أنّهم سيمنعون دخول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى الجبل. وهم يرفضون التعليق على خلفية الانتفاضة الجنبلاطية وما اذا كانت مرتبطة باعتبارات خارجية سلباً أو إيجاباً ويفضّلون الانتظار، لكن الأكيد بنظرهم أنّ “هناك معطيات جديدة تحتاج إلى تدقيق”.

 

عملياً، لا يستوي السؤال حول مسار “التمرد” الجنبلاطي إلا بتحديد الجواب حول مصير رئيس الحكومة سعد الحريري. سيضطر الرجل عاجلاً أم آجلاً إلى العودة. لا يمكنه “الاعتصام” بالإجازات العائلية دوماً، ولا بدّ له أن يفرغ ما في جعبته، ويفصح عن طبيعة ردّة فعله وسلوكه بعد فورة “البركان” الاشتراكي، الذي لاقته “كتلة المستقبل” النيابية بالتحذير من “محاولات التشكيك بنتائج التحقيقات التي يتولاها فرع المعلومات”.

 

حتى الآن، لم يخيّب الحريري ظنّ جنبلاط منذ لقائهما الأخير الذي شهد جلسة غسل قلوب، عميقة. يغلّب رئيس الحكومة كفّة زعيم المختارة على كفة شريكه الرئاسي، وقد تكون من المرّات النادرة التي يدير فيها ظهره للرئاسة الأولى مع “تطنيشه” على مطلب الدعوة إلى عقد جلسة حكومية، وهو الذي حرص دوماً على عدم تعكير صفو العلاقة مع الرئيس عون، حتى لو توترت مع باسيل. هكذا، ضمّ رئيس الحكومة ملف مجلس الوزراء إلى ملف قبرشمون، رافضاً ضخّ الاوكسيجين في حكومته طالما أنّ “القلوب مليانة”. ولكن هل باستطاعته مجاراة جنبلاط في “معركته الكبرى”؟.

 

يقول العونيون إنّ رئيس الحكومة يتصرف بشيء من التوازن بين حليفه “العتيق” و”حليفه المستجد”. فلا “يكسرها” مع العهد وفريقه السياسي ولا “يجبرها” بالكامل مع المختارة، “ولو أنّه يعرف جيداً أنّه لو حلّت مسألة معمل الباطون في عين دارة كما يريد جنبلاط، لما وقعت البلاد في كل هذه الأزمة”. وينهي العونيون بالقول: “في كل الحالات، نعتقد أنّ المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين!” وفي مطلق الأحوال، لا سيناريو متداولاً في الوقت الراهن الا سيناريو التعطيل.