كاد وليد جنبلاط أن يقدّم استقالة وزرائه من المختارة بعد كلمة الرئيس ميشال عون مباشرة، لكن هاتفه لم يتوقف عن الرنين، ونجح الرنين على اذن جنبلاط، في ثنيه عن الاستقالة، لكن لم ينجح في منع النقاش داخل حزبه وطائفته، حول جدوى الاستمرار، ولو بداعي الوفاء للرئيس سعد الحريري، وعدم استباقه، والالتزام بما سيقرّر، بل ربط المشاركة في الحكومة بأن يترأسها الحريري نفسه.
عاش جنبلاط فترة صراع بين المغادرة والبقاء، لكنّه استقر على البقاء، والأسباب كثيرة منها الوفاء، ومنها قراءة موازين القوى التي ألمح اليها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مهدّداً من دون تسمية، وما أبرع جنبلاط وأكثره خبرة في فهم المقاصد بين العبارات، وفي قراءة ما هو أبعد من فرقة «الموتوسيكلات»، من ساحل الشوف الى أعلى الباروك، الى خلدة والناعمة، وكل الطوق المكتمل، حول الجبل المحاصر.
ما يُقال أقل بكثير ممّا لا يتمّ الإفصاح عنه، فالاعتبارات التي أبقت جنبلاط داخل التسوية والتي ربما تبقيه فيها بعد انتاجها معدّلة تنطلق من عوامل عدة:
أولاً: قراءة جنبلاط للتوازنات الاقليمية أقرب الى التشاؤم، فهو لا يزال يرى أنّ ايران متمكّنة رغم ضعفها بفعل العقوبات، وهو يرى انّ إمساكها بالملفات السورية والعراقية واللبنانية لم يتأثر بفعل هذه العقوبات، بل يتوقع في أي لحظة أن تبدأ جولة حوار اميركي – ايراني، خصوصاً بعدما اثبتت ايران قدرتها على توجيه ضربات موجعة في السعودية والخليج، دون أن تلقى رداً اميركياً، وهذا بحدّ ذاته تأكيد على أنّ المطلوب جلب ايران الى الطاولة لا ضربها، والنتائج تصبّ في خانة المزيد من إمساك ايران لاوراقها الإقليمية، وفي طليعتها الورقة اللبنانية.
ثانياً: إنّ النجاح في النفاد من أزمة قبرشمون، التي كانت تهدف لتحجيم جنبلاط، لا يعني زوال خطر الانتقال الى تحجيم آخر، فالمواجهة كانت مع العهد، وليس مع «حزب الله»، الذي راقب حلفاءه وهم يخرقون قواعد اللعبة، ليعود في الوقت المناسب، الى إعطاء الرئيس نبيه بري تفويضاً بحل أزمة قبرشمون، فكان الحل، وكان اللقاء بين الاشتراكي و«الحزب» في عين التينة، وتجدّد اللقاء، وحاذر جنبلاط الاصطدام بـ«الحزب» واقتصرت مواجهته مع عون، لكن كل ذلك كان ليتغيّر لو قدّم استقالة وزرائه من الحكومة، ولهذا منع نفسه من الاستقالة لمعرفته بأنّ ادوات «حزب الله» في استهدافه أكثر شدة، من تلك التي كانت ستطال الرئيس الحريري، باعتبار أنّ جنبلاط الخارج من التسوية، أكثر ايذاءً وأكثر قدرة على قيادة معركة سياسية، ولا يزال طيف انتفاضة الاستقلال حاضراً في الأذهان.
ثالثاً: إنّ هذا التأرجح بين المغادرة والبقاء عاشه الحزب الاشتراكي، حيث أيّد بعض قادة الحزب الاستقالة، فيما عارضها البراغماتيون، وايّدتها قاعدة الحزب، باعتبارها انسجاماً مع الانتفاضة الشعبية، ومع الافق المسدود الذي وصلت اليه الحكومة بفعل الخلاف مع العهد، وبفعل العرقلة التي عاناها الرئيس الحريري، التي اوصلته بدوره الى الاستقالة. ورأى مؤيّدو الاستقالة انّها يجب أن تكون البداية الفعلية للنائب تيمور جنبلاط الذي يترأس كتلة «اللقاء الديمقراطي»، والذي بدأ يتعايش مع التجربة الصعبة لقيادة المختارة.
ووجهة النظر هذه تتلخص بالآتي: إنّ حزب كمال جنبلاط، في خضم هذه الانتفاضة الشعبية العابرة للطوائف والحدود المذهبية، هو الحزب الأقدر والأكثر انسجاماً على أن يكون مكوناً فاعلاً في هذه الانتفاضة، وتيمور جنبلاط الذي يشبه برؤيته للعمل العام، شباب الساحات، يواجه محطة مفصلية، وهذا هو أوان أن يقول لهؤلاء: أنا حفيد كمال جنبلاط الذي عاش ومات ولم يفارقه هاجس حمل قضايا الناس، انا منكم ومعكم.