سوريا قدر لبناني قبل ولادة «لبنان الكبير» وبعده، حيث لا عرس يمر على الساحة المحلية الا ولها فيه الف قرص وقرص خصوصاً في المحطيات المفصلية المعروفة بتاريخ البلد من ثورة 1958 على حكم الرئيس الراحل كميل شمعون وصولاً الى الاحداث اللبنانية التي انتهت «باتفاق الطائف» الذي بات دستوراً للدولة وكان لدمشق الحصة الوازنة في صناعته الى جانب السعودية حيث اتاح لها الاتفاق المذكور فرض وصايتها الصارمة على البلد الصغير الى حد لا تسقط شعرة من رأس احد الا بمباركة من والي دمشق المقيم في تلك الحقبة سعيداً في شتورا ومن ثم في عنجر حيث تحول مقره الى محجة للطامحين الى الالقاب بدءاً برأس الهرم مروراً بمجلس النواب وصولاً الى مجلس الوزراء وفق الاوساط المواكبة للمجريات.
وبقدر ما كانت سوريا قدر لبناني بشكل عام فانها قدر درزي بشكل خاص حيث توزع قرار الموحدين بين جبل لبنان وجبل العرب، حيث تناقضت المواقف تاريخيا بين الجبلين الى حدود الخصام السياسي القاتل، فيوم انطلقت الثورة السورية الكبرى من جبل العرب بقيادة سلطان باشا الاطرش ضد الانتداب الفرنسي كانت دارة المختارة ترتبط بأفضل العلاقات مع الفرنسيين، ويوم دخلت القوات السورية في نهاية سبعينات القرن الماضي الى لبنان لفرض الامن والفصل بين المتقاتلين في حروب العبث اللبنانية وقف الراحل كمال جنبلاط و«الحركة الوطنية» الى جانب ياسر عرفات في وجهها وربما هذا الموقف من الاسباب الرئيسية التي ادت الى اغتياله وفق الاوساط نفسها وكما يتهم رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط دمشق بالامر، وربما مواقفه العدائية المبكرة ضد النظام السوري ووقوفه الى جانب ما يسمى بالمعارضة السورية تنحصر في زاوية الثأر لدم والده.
وتضيف الاوساط انه في الوقت الذي سقط فيه اللواء الدرزي السوري عصام زهر الدين في دير الزور اشتعلت الرقعة الدرزية بقدرها السوري حيث وصف جنبلاط زهر الدين بأنه من «الانياب القاتلة» للنظام السوري، وربما اللافت انه بموقفه هذا خرج عن الهدنة التي التزم بها مع دمشق وفق النصيحة الروسية، اضافة الى ان نجله تيمور زار منذ فترة قصيرة روسيا يرافقه الوزير وائل ابو فاعور كون موسكو السقف الذي يستظله جنبلاط في الزمن الرديء، واذا كان «الولد سر ابيه» كما يقول المثل فان تيمور قد يشكل استثناء في القاعدة عكس والده، فهو صاحب شخصية يغلفها الغموض مُقِل في المواقف والكلام، وحازم في تصرفاته وفق الحلقة الضيقة وهو يرفض الاطلال باي موقف ويعتبره لزوم ما لا يلزم الا بعد الاستحقاق الانتخابي على قاعدة انه يستمد شرعيته حينئذ من قواعده الشعبية لا من الاقطاع والوراثة السياسية.
وتشير الاوساط الى ان الوزير طلال ارسلان وقف على طرف نقيض من جنبلاط حيث اقام حفل تأبيني لزهر الدين كونه بطل حطم اسطورة «داعش» والتكفيريين، وهذا الموقف يعكس صورة اللوحة الانتخابية المقبلة في ايار المقبل حيث تقول المعلومات ان جنبلاط لن يبقي مقعداً شاغراً في لائحته لصالح وصول ارسلان الى البرلمان كما جرت العادة في السابق تلبية لدعوة قواعد جنبلاط الضاغطة بهذا الاتجاه، في وقت تشير فيه معلومات اخرى الى ان موقف ارسلان واقامته حفل تأبيني لزهر الدين حصل كجائزة ترضية لدمشق كونه تلقى عتباً منها اثر الزيارة التي قام بها للرئيس سعد الحريري في بيت الوسط فحاول التعويض بذلك، خصوصاً وانه سيخوض الانتخابات بالتحالف مع «التيار الوطني الحرّ» الذي اشترط على المير القبول بمرشح من الحزب السوري القومي الاجتماعي على اللائحة».