Site icon IMLebanon

جنبلاط مع روكز.. وإلا فمع بقاء قهوجي!

لم تكن المبادرة التي أطلقها النائب وليد جنبلاط قبل أيام هي مبادرة بالمعنى الحقيقي للكلمة أكثر منها «وجبة مخفّفة» لـ «طبق دسم وثقيل» سبق وقدّمه فريق «تيار المستقبل» للعماد ميشال عون واستصعب الأخير هضمه!

فالتوافق الذي طالب به زعيم المختارة «على إجراء سلّة متكاملة من التعيينات من دون تجزئة ومن دون استفراد»، وهي تعني بشكل أساسي التوافق على قائد جديد للجيش، ربطَه بـ «الإقلاع عن المزايدات العبثية في الملف الرئاسي اللبناني والتوجّه نحو تكريس منطق التسوية للوصول الى مرشح توافقي لإنهاء هذه الأزمة». إذاً، «منطقان» لواقع واحد: لا رئاسة لعون.

حدث ذلك تحت سقف ما يشبه النداء الذي وجّهه جنبلاط الى شريكيْه الاساسيّين في الحكم نبيه بري وسعد الحريري: ارضوا ميشال عون، الطرف الوحيد القادر على هزّ عرش الحكومة «الواقفة على شوار»، ووافقوا على العميد شامل روكز وعندها أمشي معكم في القرار. لكن لن أفعلها «سولو».

عملياً، دفنت المبادرة بعد أيام على حائط جنبلاط على «تويتر»، حين اشار الى «تقديمي اقتراح متوازن تفادياً للشلل ورفضته المرجعيات الكبرى»!

الخبثاء يقرأون في المبادرة الجنبلاطية هدفاً غير مرئي يرتكز على إزاحة قائد الجيش العماد جان قهوجي عن اللائحة الرئاسية بمجرد تزكية خيار شامل روكز.

في تقدير هؤلاء أن جنبلاط الذي فتح النار باكراً ضد قهوجي، قبل التمديد الأول، واصفاً إياه يومها بـ «القائد المعلّب» سعى لقطع الطريق على هذا الاحتمال منذ بداياته، مع العلم أن مرشّحه أصلاً لقيادة الجيش العام 2008 كان العميد جورج خوري.

واليوم يعتقد هذا الفريق أن استحقاق التعيين في قيادة الجيش قد يفتح المجال أمام جنبلاط لسحب ورقة قهوجي الرئاسية بالضغط باتجاه تعيين بديل عنه، هو المعروف بـ «كرهه» لرؤية العسكر في بعبدا!

لكن عملياً، في المرّة الأولى تراجع جنبلاط عن رأيه وبارك تمديد الضرورة مانحاً تغطيته الصريحة لهذا التوجّه، بالتلازم مع تأجيل تسريح رئيس الأركان اللواء وليد سلمان دون غيره من باقي أعضاء المجلس العسكري.

وخلال أسابيع قليلة، وعلى ضوء مبادرته الفاشلة للضغط باتجاه تعيين العميد روكز من ضمن تعيينات شاملة، قد يصطفّ جنبلاط كتفاً على الكتف مع بري والحريري لإبقاء قهوجي سنتين إضافيتين «لاستحالة التعيين»، مع العلم أن تأجيل تسريح رئيس الأركان ينتهي في السابع من آب، أي قبل شهر وأسبوعين من نهاية ولاية قهوجي الممدّدة لسنتين.

مَن يعرف القليل عن وليد جنبلاط كَمَن يعرف الكثير. لا يتحرّك «البيك» ولا ينطق بحرف ولا يطلق المبادرات إلا وفق متطلّبات الأجندة الجنبلاطية.

الرجل المسكون اليوم بتحوّلات المنطقة الهائلة وزنّار الإرهاب الذي يلفّ الحدود اللبنانية السورية، يستجدي الاستقرار الداخلي حتى ممّن لا يملك مفاتيحه.

يقرّ «البيك» بالفم الملآن بأن ليس هناك أي ملامح في الأفق لانتخاب رئيس للجمهورية. يتفرّج على ميشال عون وهو يشنّ حرباً كونية، يصفها بـ «الحسابات السخيفة» لتعيين قائد جديد للجيش، ويواكب الشلل الزاحف من ساحة النجمة الى السرايا بقلق كبير دفعه الى نبش سدّ بسري من القبور، واستحضار عطاءات المهندس ابراهيم عبد العال قبل عقود من الزمن، ليشير الى خطيئة تعطيل التشريع. وعليه، الحفاظ على «فتات» الدولة أفضل من خسارتها.

يفتش وليد جنبلاط، نقلاً عن مرجع بارز خبير في «مزاجيته» السياسية، عن «السِترة» وسط حالة الضياع. هكذا فالمجلس «على علّاته»، والحكومة «على علّاتها»، أفضل الممكن ريثما تتوضّح معالم الصورة. وإذا كانت «السترة» تقتضي إرضاء عون في قيادة الجيش، فليكن. حاول «البيك» ولم ينجح. أما إذا كانت تفرض إبقاء قهوجي في موقعه، فليكن ذلك أيضاً. المهمّ عدم الدخول في المحظور.

هكذا سيركب جنبلاط الموجة إذا هبّت رياح التمديد مجدداً. يقول العارفون إن التحالف نفسه الذي كرّس التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، والذي تشابكت خيوطه بين الرئيس نبيه بري و «تيار المستقبل» ووليد جنبلاط، سيسري على استحقاق قيادة الجيش في ايلول ما لم يكسر ميشال عون قواعد اللعبة ويسقط الخطوط الحمر التي لا تزال تحمي الحكومة.

سيفعلها جنبلاط حينذاك، ليس حبّاً بقهوجي ولا نكاية بعون، بل لتعذّر الخيارات الأخرى. وبالتأكيد لن يضيره التمديد الثاني لقائد الجيش إذا لم يؤد هذا الخيار الى «المشكل الكبير»، اي إسقاط الحكومة. يحدث ذلك، بغضّ النظر عن رأي جنبلاط الشخصي بقائد الجيش الحالي وأدائه و «أسلوب» مقاربته لملف الرئاسة.

في الوقائع لم يسجّل مرصد المختارة بعد التمديد الأول لقائد الجيش ما يشي بخطة جنبلاطية لـ «التنقير» على قهوجي لإيصاله إلى آخر الولاية الممدّدة في 23 ايلول «مُستنزفاً» بالسياسة.

كان لافتاً بعد أحداث الثاني من آب العام المنصرم إشارة جنبلاط، المتوجّس من المشهد الحدودي، إلى «ختم الأحداث التي حصلت في عرسال بانتصار، ولو باهظاً، إنما تاريخي للمؤسسة العسكرية». هو «الانتصار» الذي لا ينفك ميشال عون يصنّفه في خانة الانتكاسات الكبرى في سجل الجيش وقيادته. قبل ذلك صعد الى اليرزة وقدّم التعازي باستشهاد عسكريين في عرسال في تموز 2013.

وفي عزّ الحديث عن دور الجيش في عرسال وجرودها كان الأمر الجنبلاطي واضحاً بعدم «زرك» قهوجي في الزاوية تاركاً للحكومة فقط أن تقرّر والجيش ينفّذ. وغالباً ما تحدّث عن «الأداء الممتاز لقهوجي لحماية الجيش من اي ارتدادات»، من دون أن تغيب عن حساباته ولا لحظة وجود عسكريين دروز من بين العسكريين المخطوفين بيد «داعش» و «النصرة».

لكن «العبد الفقير الذي يعرف حدوده»، كما وصف جنبلاط نفسه على صفحته على «تويتر»، لا حدود لكرهه رؤية عسكري مجدداً في القصر الجمهوري، حتى لو أن شهادته أمام المحكمة الدولية أظهرت أن لهذا الكره «أشكال ألوان» قد تتحوّل الى قصة حب مع «جنرالات بعبدا»!

إذاً، يكره جنبلاط كل العسكر، فكيف إذا كان المرشح المحتمل للرئاسة من بلدة بعذران الشوفية (نسبة لشجرة العائلة)، وثمّة شارع باسمه في البلدة منذ حزيران 2011؟ نكتة يُطلقها كل مَن يحاول أن يضيف سبباً آخر لاعتراض جنبلاط لاحقاً على «المرشح» قهوجي.

لكن ابن بعذران هو، وفق ويكبيديا، ابن بلدة عين إبل في قضاء بنت جبيل (نسبة لوالدته من آل حداد). عملياً، قهوجي هو سكان منطقة صربا وقد نقل سجلّ نفوسه الى البلدة الكسروانية منذ مدّة طويلة. وباستثناء بعض النشاطات الرياضية التي تنظمها القيادة أحياناً في بعذران، لا شيء يربط قائد الجيش ببلدته الأم.

وحكماً حين تطرح لائحة المرشّحين المفضّلين للرئاسة على طاولة المختارة، بعد مرشّحه هنري حلو، فإن قهوجي «العسكري» ليس من بينهم، في وقت يشير العارفون الى ان جنبلاط، كما الرئيس نبيه بري، يفضّل في النهاية خيار جان عبيد.

العلاقة الفاترة، و «على القطعة» بين جنبلاط وقهوجي، لا توحي باندفاع «البيك» لتزكية «الخيار المرقط» الذي لم يكسر الحساسية تجاهه سوى ميشال سليمان الذي «حكم، بخلاف العسكر، بشكل مدنيّ ومهذّب وكان مميّزاً بعد الرئيس فؤاد شهاب وعمل ما يمكن من أجل تطبيق الطائف»، وفق شهادة «البيك» امام المحكمة الدولية.