يسعى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط جاهداً لاخراج البلد من عنق الزجاجة لا سيما ان الزمن رديء ولعبة الامم حجر رحى يطحن المنطقة بشراً وحجراً وفق الاوساط المواكبة للزعيم الدرزي، وسط الفراغ في بعبدا، حيث العشب والتين البري يهددان بالوصول الى عتبة القصر الجمهوري، اضافة الى تغييب المجلس النيابي والشلل الذي يعصف بحكومة «مرقلي ت مرقلك» وفق توصيف الرئيس تمام سلام لها، ناهيك بالفساد الذي ينخر عظام كافة المؤسسات وسط الفوضى السياسية العارمة التي تسود الساحة الداخلية من ادناها الى اقصاها.
ربما جنبلاط من القلائل في نوادي السياسة الذين يقرأون التاريخ لاخذ العبر واستشراف الآفاق تضيف الاوساط، لا سيما ان التاريخ يتكرر لدى الشعوب المصنفة بالعالم الثالث، يغيّر حداءه او ربطة عنقه، فكيف الحال بالواقع اللبناني الذي ينتمي ربما الى العالم العاشر ويحاول اخفاء ملامحه السياسية بـ«ماكياج» فاقع ومفضوح، واذا كان الزعيم الدرزي عاصر صناعة الرؤساء اللبنانيين في زمن الوصاية السورية وبعدها ويدرك جيداً ان صناعة الرئاسة تطبخ في الخارج وان ربع الساعة الأخير يصنع الرئيس العتيد عبر ما يعرف في فولكلور السياسة اللبنانية بـ«كلمة السر والوحي» الا انه يدرك ايضاً ان صناع الرئيس الخارجيين مشغولون بأمور كثيرة الى حد أنهم لم يعودوا يتذكرون لبنان كون اجنداتهم مثقلة من الاوضاع على كامل رقعة المنطقة واضيف اليها الانقلاب التركي الذي وضع بلاد بني عثمان على فوالق زلزالية، ما يشكل فرصة يتيمة للاعبين المحليين بانتاج رئيس للجمهورية صنع في لبنان، ويندرج موقفه الذي اعلنه في بكركي بعد زيارته البطريرك مار بشارة بطرس الراعي داعياً اياه لمباركة كنيسة السيدة التي رممها آل الخازن ومباركة المصالحة في الجبل التي ارساها منذ 15 عاماً مع البطريرك السابق مار نصرالله بطرس صفير يندرج في خانة تحريك الملف الرئاسي على قاعدة «التسوية قبل التسمية».
وتضيف الاوساط ان موقف جنبلاط غاية في الواقعية السياسية كون الساحة الداخلية منذ اعلانها وطناً على يد الجنرال غورو كانت تسوية ارستها ظروف الاقليات وما تعرضت له من قهر وتعسّف ايام السلطنة العثمانية، وانسحب هذا الامر على صناعة الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة البلاد عبر تسويات خارجية فلا بأس بتسوية داخلية ولو لمرة واحدة فقط تنتج رئيساً للبلاد وتطلق عجلة السلطة، خصوصاً ان البلد بات في فم التنين، وهذا ما يقض مضجع جنبلاط الذي يعيش كوابيس المنطقة الموضوعة على سرير التشريح واعادة ترسيمها وفق مخطط غامض ومرعب.
وتشير الاوساط الى ان استعجال جنبلاط لانتخاب اي رئيس لملء الشغور وقبوله بالسير بخصمه اللدود الجنرال ميشال عون لا يأتي من فراغ بل نتيجة قلقه مما توفر له من معلومات عبر شبكة علاقاته في الخارج الى حد انه بات يخشى على الجمهورية نفسها لا على الرئاسة، فما نفع الموقع الاول اذا طارت الجمهورية، فالزعيم الدرزي المسكون بالهاجس الامني واستشراف الآفاق، لا تغفل عيناه عن الزيارات غير البريئة التي تقوم بها بعض الوفود الغربية الى الجبل الدرزي وآخرها زيارة الوفد البريطاني لبعض المشايخ الدروز وقد رافق الوفد المسؤولة الاعلامية في السفارة البريطانية في بيروت نيكول دي لوزيو ومسؤول القسم السياسي في السفارة ماجد المعوشي لاستطلاع واقع الدروز في محاولة لاعادة احياء العلاقة بين بريطانيا والدروز كونها كانت حاميتهم في احداث 1860وما تحمله الزيارة من تأويلات، اضافة الى ان جنبلاط الذي اضطر لفتح قنوات مع «جبهة النصرة» لحماية دروز جبل السماق في سوريا ولم تجدِ نفعاً، يعيش كابوس تحرك «داعش» في مخيم عين الحلوة بعدما رصدت الاجهزة الامنية اتصالات بين قيادة التنظيم التكفيري في الرقة وعماد ياسين امير «داعش» في عاصمة الشتات. فهل تحصل «تسوية» على طاولة الحوار كما يسعى جنبلاط الى ذلك أم تحصل مفاجأة ليست في الحسبان في الزمن الرديء؟