رئيس «الاشتراكي» يرمي العباءة النيابية على كتفي تيمور
جنبلاط لـ«السفير»: لا عون سيتنازل ولا جعجع
في هذه الأيام، نادرة جداً هي القضايا المحلية التي تستفزّ وليد جنبلاط وتقحمه في سجالات عابرة للمنابر. ليس لأن الرجل قرر النأي بنفسه عن المستنقع الداخلي و«نفاياته»، بل بسبب الجمود القاتل الذي يسحب «الأوكسيجين» رويداً رويداً من المسرح اللبناني، ويزيده شللاً.
ولهذا يبقي الرجل عينيه على الخارج ويراقب أحداثه وتطوراته. يرصد الحراك الحاصل في المنطقة على حدّ السيف، وهو الذي سبق له أن حذّر في أكثر من مناسبة من ذوبان حدود سايكس – بيكو التي رسمها «الاستعمار» البريطاني – الفرنسي لوراثة «الامبراطورية المريضة»، حيث تُرسم الحدود الجديدة لدول المنطقة بالدم والنار، ليس في مواجهة الاستعمار، بل بين العرب أنفسهم. وهنا الخطورة.
هكذا لا يرى «أبو تيمور» نهاية قريبة للأزمة السورية، ولا يتفاءل بوجود فرصة جدية أمام المبادرة الروسية في جمع القوى المتقاتلة على طاولة واحدة، ذلك أن المعارضة المفترض بها أن تكون في الجهة المقابلة للنظام السوري على مائدة الحوار، لا تختصر «معارضة الأرض» التي صارت موزعة بين «داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام» وغيرها من الفصائل المقاتلة، «كما لا يبدو أن هناك قدرا كافيا من التنسيق بين موسكو وواشنطن»، ما يعني أن الأزمة السورية مرشحة لأن تستمر سنوات.
هنا يستعيد جنبلاط ما أتى في «جنيف 1» من اقتراح يمكن أن يكون بمثابة خريطة طريق لحلّ سياسي ينقذ ما تبقى من سوريا، ويكون على أساس تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات موسعة بمشاركة بشار الأسد، على أن تفتح الباب أمام اختيار بديل للأسد تبدأ معه المرحلة الجديدة، لكن المشكلة هي غياب البديل الذي يطمئن بعض الأقليات وبعض القوى الاقليمية.
وإذ يمرّ على التطورات اليمنية ليشير إلى أنّها ضمن الاشتباك الإقليمي حيث تقوم طهران برسم حدود جديدة في المنطقة، يلفت جنبلاط الانتباه في المقابل إلى أنّه من المرجح أن تنتهي المفاوضات الأميركية – الإيرانية إلى اتفاق نووي يبدأ من بعده الحديث في خريطة النفوذ الإيرانية في المنطقة، مشيراً إلى أنّ الإدارة الأميركية كما طهران تسعيان إلى هذا الاتفاق وتريدانه أن يبصر النور.
ويعتبر جنبلاط أن صورة وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وايران محمد جواد ظريف وهما يتنزهان سوية هي إشارة شكلية في هذا الاتجاه، مرجحا أن يكون مرشد الثورة الايرانية السيد علي الخامنئي بتفويضه ظريف إدارة الملف النووي قد اتخذ قرارا استراتيجيا بالتوصل الى اتفاق، وهو الخيار نفسه الذي يسير به الرئيس الأميركي باراك أوباما وقد لا يتوفر عند رئيس آخر، معارضا وجهة نظر القائلين بأن الرئيس الأميركي يصبح مشلولا وعاجزا في آخر سنتين من ولايته بدليل إصرار أوباما على استخدام «الفيتو» في مواجهة أية عقوبات جديدة يفرضها الكونغرس الجديد ضد ايران (تبدأ ولاية الكونغرس الجديد في آذار المقبل)..
ويعتبر جنبلاط أنّ انخفاض سعر برميل النفط عالمياً هو من ضمن الصراع الدولي الحاصل حيث تستخدم واشنطن هذا السلاح للضغط على موسكو، مستعيداً التجربة السابقة حين لجأت الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة إلى الأسلوب نفسه للضغط على الاتحاد السوفياتي، وأدى ذلك الى انهيار منظومة دولية كاملة.
أما بالنسبة لاعتداء القنيطرة، فيعتبر جنبلاط أنّه نوع من ترسيم «خط تماس» متقدم بين إسرائيل وإيران، وفيه شيء من الحسابات الانتخابية لرئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، وقد يكون أيضاً وفق زعيم «الاشتراكي» محاولة إسرائيلية للتشويش على المفاوضات الأميركية – الإيرانية ومنع التوصل الى تفاهم نووي، مؤكداً أنّ للبنان الحق في تحرير أرضه في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، من دون تحميله تداعيات مغامرة جديدة، و«أعتقد أن حزب الله سيراعي هذا الاعتبار عند تحديد زمان الرد ومكانه».
داخلياً، لا يلمس جنبلاط أيّ تطور جديّ في الاستحقاق الرئاسي على الرغم من المسارات الحوارية الحاصلة على أكثر من محور. إذ لا يرى أنّ الحوار بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» قد يغيّر المشهد «لا سيما أنّه من المستبعد أن يقدم ميشال عون أو سمير جعجع أي تنازل لمصلحة الآخر»، وفي المقابل، فإنّ مسار المفاوضات الإيرانية – السعودية طويل جداً بنظره.
يشير جنبلاط في الوقت نفسه الى أن المهمة الرئاسية لمدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا جيرو، قد بلغت الحائط المسدود، وهو صال وجال بين بيروت وطهران والرياض والفاتيكان وتبلغ كلاما واضحا من مساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون العربية حسين أمير عبد اللهيان بأن من حق المسيحيين أن يختاروا رئيسهم برعاية الفاتيكان!
في هذه الأثناء، يدفع «البيك» بنجله تيمور إلى الواجهة السياسية حيث يبدو أنّ قرار «تجيير» مقعده النيابي لابنه قد اتخذ، ولكن تنفيذه ينتظر نضوج فرصة إجراء انتخابات فرعية في الشوف، «وهو أمر يقرره الرئيس نبيه بري ووزير الداخلية نهاد المشنوق».
يريد جنبلاط من نجله أن ينغمس رسميا ومباشرة في الشأن العام من خلال اللقاءات الشعبية والمتابعات اليومية لقضايا الناس، ولا يمكن أن يحصل ذلك إذا لم تُرمَ على كتفيه عباءة النيابة، فيما تبقى عصا رئاسة الحزب بيده.
ويمكن لتيمور أن يستفيد من خبرات «الطاقم السياسي» الموجود في الحزب لمساعدته في انطلاقته، كما كان لوالده الطاقم الذي ساعده حين رسمته الظروف سيداً للمختارة.
يقول جنبلاط انه لم يطلع على مجريات الحوارات بين «حزب الله» و«المستقبل» برعاية رئيس مجلس النواب، ولكنه يعتبر أن هذا الحوار، وهو صاحب فكرته، مفيد للبلد وخصوصا لجهة تنفيس الاحتقان المذهبي، ويتوقع أن يمضي الحوار وأن يريح البلد، منوهاً بقرار تغطية الخطة الأمنية في كل المناطق، مشيدا بما أنجزه وزير الداخلية في سجن روميه، وقال انه لو لم تكن حقيبة الداخلية بيد «المستقبل» لكان مستحيلا إنجاز الكثير من الأمور.
وردا على سؤال حول ما قيل عن وقف الحملات بين «المستقبل» و«حزب الله»، يجيب جنبلاط: «فهمت أنهم اتفقوا على نزع الصور من شوارع العاصمة، وتنظيم هذا الأمر مستقبلا، لكن كيف.. لا أعلم»؟
وجدد جنبلاط دعوته الى تشريع زراعة الحشيشة في سهل البقاع، وقال ان دولا عدة تشرع ذلك وتضع معايير محددة، ويمكن أن يدر ذلك أموالا طائلة على الخزينة.
ويأخذ جنبلاط على الحكومة أنها لم تضع استراتيجية محددة، سواء في قطاع النقل البري والبحري والجوي أو في المجال الصحي ـ الغذائي، ويقول انه لا بد من تشريعات حتى لا تبقى بعض الخطوات رهينة مشيئة هذا الوزير أو ذاك.