لا شكّ أنّ الإنتخابات النيابيّة المُقبلة تُشكّل مُفترق طرق بالنسبة إلى العديد من القوى السياسيّة، بحيث أنّ نتائجها ستُثبّت زعامات، وستطوي صفحة زعامات أخرى. وبالنسبة إلى رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» النائب وليد جنبلاط، المعركة الإنتخابيّة المُقبلة مصيريّة، كونها ستُحدّد ما إذا سيتمكّن من البقاء رئيسًا لكتلة نيابيّة مُختلطة وازنة، ورقمًا أساسيًا في المُعادلة السياسيّة الداخلية، أم أنّ «زعامته» ستضمحلّ بفعل التحوّلات الداخليّة، ونتيجة تطبيق مبدأ التصويت النسبي بدلاً من التصويت الأكثري في الدورة الإنتخابيّة المُقبلة. ومن يُتابع الحركة السياسيّة للنائب جنبلاط في المرحلة الراهنة، ومن تابع مواقفه وتحرّكاته وخُصوصًا مناوراته خلال إحتفالات ذكرى «مُصالحة الجبل»، حيث حاول تجنّب إغضاب كل من «القوّات» و«التيار الوطني الحُرّ» بشكل خاص، يُدرك أنّه يُواجه سلسلة من الصُعوبات التي عليه تذليلها، وسلسلة من الأضداد التي عليه الجمع في ما بينها للحفاظ على الزعامة الجنبلاطيّة في «الجبل». فكيف سيتعامل رئيس الحزب «الإشتراكي» مع الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، وما هي طموحاته وتحالفاته؟
بداية لا بُد من التذكير بأنّ عدد الناخبين الدروز في دائرة «الشوف وعاليه» المُستحدثة في القانون الإنتخابي الجديد وفق مبدأ النسبيّة، يبلغ نحو 130,000 ناخب، بموازاة 123,000 ناخب مسيحي، و59,000 ناخب سنّي، إضافة إلى 8,000 ناخب شيعي، أي ما مجموعه نحو 320,000 ناخب، وبزيادة قدرها 21,000 مُقارنة بعدد ناخبي دورة العام 2009 الأخيرة. وتضم هذه الدائرة الإنتخابيّة 13 مقعدًا، 5 للموارنة و4 للدروز و2 للسنة و1 للأرثوذكس و1 للكاثوليك.
وإنطلاقًا من هذه الأرقام، رأت أوساط سياسيّة مُطلعة أنّ الإحتفاظ بالزعامة الجنبلاطيّة يمرّ حتمًا بالنتائج التي ستُحقّقها اللائحة الإنتخابيّة التي سيُشكّلها رئيس «الإشتراكي». ورأت الأوساط ان جنبلاط كان واجه في العام 2009 تحالفًا مُناهضًا قويًا، ضمّ آنذاك «الوطني الحُرّ» وكل مُناصري قوى «8 آذار» ضمن الطائفتين الدرزيّة في الشوف والسنّية في إقليم الخروب، ونجح بفارق كبير. لكنّ الأوساط نفسها لفتت إلى أنّ جنبلاط سيُواجه في الإنتخابات المُقبلة تحدّيات كبرى، تشمل التالي:
– أوّلاً: إنّ الإنتخابات هي وفق القانون النسبي وليس الأكثري، ما يعني أنّه حتى الفوز بثلثي الأصوات يعني الفوز بثلثي المقاعد فقط، علمًا أنّ «النسبيّة» ستحثّ ناخبين كُثرًا كانوا يعتبرون في السابق أن النتائج محسومة وفق القانون الأكثري، إلى التوجّه إلى مراكز الإقتراع في محاولة لإنجاح مرشّحيهم، الأمر الذي من شأنه تغيير الكثير من النتائج.
– ثانيًا: إنّ جنبلاط الذي كان نجح في جمع مُناصري كل من أحزاب «القوات» و«الكتائب» و«الأحرار» إضافة إلى «المُستقبل» تحت جناحي لائحتيه في كل من دائرتي الشوف وعاليه في إنتخابات العام 2009، سيعجز حتمًا عن تكرار الأمر نفسه في إنتخابات العام 2018، بسبب تراكم الخلافات في ما بين هذه الجهات، وبسبب سعي البعض منها إلى زيادة حصتّه على حساب الآخرين، ما يعني أنّ جزءًا من داعميه السابقين سيكون هذه المرّة في خندق مُقابل. كما أنّ علاقة جنبلاط نفسه مع كثير من هذه القوى ليست جيّدة.
– ثالثًا: إنّ عزم رئيس «الإشتراكي» على تغيير ما نسبته 70 % من نوّاب كتلته الحاليّة، لضخّ ما يمكن وصفه بالدمّ الشبابي الجديد تسهيلاً لعمليّة توريث نجله تيمور، وكذلك على أمل إستمالة ناخبين جُدًدًا، هو «سلاح ذو حدّين»، لأنّ النوّاب الحاليّين راكموا خدمات شخصيّة على مدى سنوات طويلة، وبعض المُرشّحين الجُدد ليسوا معروفين بشكل واسع، الأمر الذي يُشكّل مُخاطرة غير مكفولة النتائج.
– رابعًا: إنّ طموحات الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة، أي «القوات اللبنانيّة» و«التيّار الوطني الحُرّ» لفرض سيطرتها في العديد من الدوائر الإنتخابية، ومنها دائرة الشوف وعاليه، ورغبة باقي الأحزاب مثل «الكتائب» و«الأحرار» بالدفاع عن حُضورها، سيحول دون تمكّن جنبلاط من الإبقاء على نفس حجم النوّاب المسيحيّين الذين كانوا يدورون في فلكه، بل سيكون مُضطرًا للتنازل عن جزء منها للحصول على دعم ناخبي أي جهة سياسيّة فاعلة سيتحالف معها.
وكشفت الأوساط السياسيّة المُطلعة أن جنبلاط يرغب بالإحتفاظ بالمقعدين الدرزيّين في الشوف (المقعد الذي يشغله شخصيًا ومقعد النائب مروان حماده) مع إحتمال توريثهما لكل من نجله تيمور ولنجل حماده أي كريم، إضافة إلى المقعد الكاثوليكي الذي يسعى جنبلاط لإبقائه لصالح النائب نعمة طعمه، وكذلك المقعد السنّي الذي رشّح له بلال عبد الله من بلدة شحيم بدلاً من علاء الدين ترّو من بلدة برجا، في رسالة قاسية إلى «تيّار المُستقبل» أنه لن يدعم مرشّحها في إقليم الخروب ما لم يحصل على دعم المُستقبل لمرشّحه السنّي، وبالتالي لكامل لائحته، باعتبار أنّ التشطيب ممنوع وفق القانون الجديد. وليس من باب الصدُفة أن يكون المرشّح عبد الله من بلدة شحيم التي ينتمي إليها نائب «تيّار المُستقبل» الحالي محمد الحجّار، بل يعني مُواجهة «المُستقبل» ما لم يكن يُوجد إتفاق من تحت الطاولة للإستغناء عن الحجّار لصالح تبنّي «المُستقبل» مُرشّحًا جديدًا من بلدة برجا، لأنّ إختيار مرشّحين من نفس البلدة يؤثّر سلبًا على القُدرة التجييريّة للأحزاب. وينُاور رئيس «الإشتراكي» للإحتفاظ بمقعد ماروني من أصل ثلاثة، كما كان الحال في دورة العام 2009، عندما توزّعت هذه المقاعد على كل من النوّاب دوري شمعون (أحرار)، وجورج عدوان (قوّات)، وإيلي عون (مستقلّ محسوب على جنبلاط)، لكنّ هذا الأمر لن يمرّ لا على «القوّات» ولا على «التيّار»، خاصة وأنّ شهيّة الطرفين كبيرة بالنسبة إلى هذه المقاعد.
وبالنسبة إلى عاليه، يرغب رئيس «جبهة النضال الوطني» – بحسب الأوساط نفسها، بالإحتفاظ مبدئيًا بمقعد درزي واحد من إثنين، باعتباره يعرف سلفًا أنّه سيخسر المقعد الثاني حتمًا، مع تمنّيه بأن يذهب هذا المقعد لصالح النائب طلال أرسلان وليس لسواه، من دون إستبعاد ترشيح رئيس بلدية عاليه وجدي مراد لهذا المقعد في حال أخذت المعركة وجهًا إلغائيًا قاسيًا. كما يُخطّط جنبلاط للاحتفاظ بمقعد ماروني واحد، على أن يُقايض على المقعد الماروني الثاني، بعدما كان يُسيطر على المقعدين معًا من خلال النائبين هنري حلو وفؤاد السعد. وهو سيتنازل مُجدّدًا عن المقعد الأرثوذكسي، الذي يشغله حاليًا النائب فادي الهبر، لكن ليس لصالح حزب «الكتائب» حيث أنّ القرار مؤجّل حاليًا إلى ما بعد مرحلة المُفاوضات النهائية للتحالفات الانتخابيّة.
وختمت الأوساط السياسيّة كلامها بالقول إنّ مُناورات جنبلاط الإنتخابيّة ستصطدم بحائط مسدود قريبًا، لأنّ رئيس «الإشتراكي» سيُضطرّ في نهاية المطاف إلى الإختيار بين «القوّات» و«التيّار» اللذين من المُستبعد أن يكونا على لائحة واحدة معه، إلا في حال قرّر جنبلاط التخلّي عن كل المقاعد الخاصة بالمسيحيّين، وليس فقط عن المقعدين الخاصين بحزبي الأحرار والكتائب، وهو ما لن يحصل!