ثلاث رسائل أساسية حققها رئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط من مشهدية أمس الاول. وتحت عنوان التخوف على أمنه دفع بجماعته إلى الشارع في مواجهة تحرك “التيار الوطني الحر”، علناً ودفاعاً عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامه وهو تأكيد بأنه جزء من الدولة والنظام الحاكم منذ ثلاثين عاماً، فضلاً عن دفاعه الملفت عن حكومة حسان دياب الذي شكّل استمراراً لخطوة تأمينه النصاب في جلسة الثقة، وهو المُمثَّل عبر وزيرة الاعلام منال عبد الصمد ولو من دون إعلان رسمي، أما الهدف الإضافي فتمثل في إعادة التفاف الشباب الدرزي في الحراك إلى جانبه، ولو أن البعض يعتبر أن شعبية جنبلاط الدرزية ليست موضع نقاش.
لا تزال هواجس الوضع الدرزي المسيحي في الشوف تقلق زعيم الجبل. منذ ما قبل الانتخابات النيابية شكلت العلاقة المسيحية – الدرزية همه الأول في التحالفات، محاولاً قطع الطريق على أي محاولة للتسلل إلى هذا الملعب لتسجيل أهداف على حسابه، خصوصاً وأن مسيحيي الشوف أو من تبقى منهم ليسوا جنبلاطيي الهوى بغالبيتهم، وهم وفق التصنيف السياسي أقرب إلى النائب طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب حليفي سوريا الاقربين. هنا ربما أساس قلق الزعيم صاحب الحسابات الاستراتيجية والتوازنات الدقيقة.
لا يفوّت جنبلاط فرصة إلا ويؤكد فيها العلاقة المميزة الدرزية المسيحية حتى ولو كانت المناسبة خاصة، كتلك التي دعا اليها النائب بلال عبد الله أمس عدداً من المطارنة وحضرها نواب من الحزب “الاشتراكي” من بينهم مروان حمادة ونعمة طعمة. ورغم الطابع العائلي الخاص لدعوة عبد الله إلا أن الظروف السياسية أعطتها طابعاً سياسياً وهو ما ينكره عبد الله، الذي شدد في اتصال مع “نداء الوطن” على أن المناسبة خاصة بعيدة من الاعلام تماماً، وأن الأوضاع بين أبناء الشوف أكثر من طبيعية.
في قراءة “التيار” أن جنبلاط استعاد الحراك إلى عنوانه الاقطاعي وحوّله إلى حراك طائفي ومذهبي، وربط رد الفعل الذي حصل من قبل “الاشتراكي” بالأموال التي سبق وقيل عن تهريبها، فهل هناك من أراد تسديد الدين إلى الحاكم بهذا الخصوص؟ أسئلة كثيرة تثيرها مصادر “التيار الوطني الحر”، عما حصل أمام مصرف لبنان وترتبط بمجملها بلائحة الأسماء التي تتحدث عن أسماء من هربوا أموالاً في الفترة الأخيرة، لتنفي نفياً قاطعاً أن يكون حراك شباب التيار حاول التظاهر أمام منزل جنبلاط أو العبور أمامه. ما حصل “لم يزعج التيار ولم يؤذه” بل “قوّى عصب شعبيتنا” ومصادره تسأل لماذا يتصدى لنا طرف سياسي طالما نحن نتحرك مطالبين باستعادة الأموال المهرّبة؟
سجال التيار – الاشتراكي استكمل على وسائل التواصل وكان النائب عبد الله أبرز المتصدين وتفسيره لما حصل، “أن مؤيدي التيار صاروا ضعاف وبدهم يشدوا العصب وما عندهم الا جنبلاط، هم لا يتحدثون بالسياسة ونحن لن نرد إلا بالسياسة”، متسائلاً: “كيف تتظاهر سلطة ضد نفسها وإذا أرادوا إقصاء الحاكم فليفعلوا ولديهم الحكومة والرئاسة الاولى وتوقيع المراسيم”.
العلاقة مع الحريري
فصل جديد من فصول التباعد الجنبلاطي – المسيحي سجل أمس الاول، هذه العلاقة العصية تاريخياً على المواءمة والتحالف والتي يسودها توتر دائم منذ زمن كمال جنبلاط إلى وليد وربما إلى ولد الولد. حساسية تاريخية لم يألُ جنبلاط جهداً في رأب صدعها ولكن…
وليست علاقته بالقوات على أفضل حال من العلاقة مع التيار ولو أنها أخف وطأة وتوتراً.
بعد انتهاء همروجة التيار – الاشتراكي امام المصرف المركزي – كليمنصو إتصل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بجنبلاط شاكراً ومطمئناً إلى صحة الأقاويل عن أن حياته مهددة بالفعل.
صارت علاقة جنبلاط بالحريري أمتن من ذي قبل. كثيرة الهموم والهواجس التي تجمعهما، لكنها تبقى عصية على تحويلها إلى حلف ثالثه رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع. فمنذ زمن الرابع عشر من آذار لا ثقة تجمع جنبلاط مع جعجع الذي يعلم تماماً أن الحلف مع جنبلاط غدا مستحيلاً، ويعتب ضمناً على الحريري الذي بات أقرب إلى جنبلاط منه إلى “القوات”. رب قائل إن خلاف الحريري – جعجع بسيط ومرتبط بأمور بروتوكولية أو من يزور الثاني في عقر داره. وعد جعجع بأن تمثله زوجته في ذكرى “14 شباط” وحين لم يتلق اتصالاً من الحريري أرسل مي شدياق. ملخص الموضوع أن لا ثقة بين جعجع وجنبلاط ولا حيط عمار بين جعجع والحريري، الذي اكتفى على ما يبدو بجنبلاط إلى أن يباغته الاخير بتغريدة انقلاب على العلاقة لسبب ما. وسيستمر التباعد الثلاثي الأبعاد إلى أن يأتي من يلمّ الشمل بناء على قرار خارجي.
والقرار الخارجي هو ما بات ينتظره الجميع كل من جهته بحسب ما يبدو، فجنبلاط الذي أرسل طالباً زيارة روسيا تؤكد مصادره أن الزيارة ستكون على الأرجح منتصف الشهر المقبل، لكن مصادر مغايرة قالت إن جنبلاط رفع سقف لقاءاته فيما كان أقصى ما حصل عليه لقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف.
كلّه حراك سياسي في الوقت الضائع فيما البلد ينهار والمعالجات تبدو مستحيلة على ما تشير الأرقام وسبل المعالجة.