ليست المرّة الأولى التي يدعو فيها رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» وزير المُهجّرين طلال أرسلان إلى إجتماع على مُستوى القيادات والفعاليّات الوزاريّة والنيابيّة الدرزيّة لبحث الواقع الدُرزي بمختلف أوجهه، لكنّ دعوته الثالثة إلى إجتماع درزي طارئ جاءت هذه المرّة تحت عنوان أنّه «من المُعيب ما يحصل من إستسلام لواقع مُشاركة الدروز في النظام…» مُعتبرًا أنّ الإستمرار على هذا النحو «يُنذر بالخطر الحقيقي على مُستقبل مُشاركتنا الفاعلة في النظام في هذا الوطن». وليست المرّة الأولى ايضًا التي يُطلق فيها رئيس «حزب التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهّاب سهامه الإعلامية والسياسيّة في غير إتجاه، وعلى قيادات درزيّة بالتحديد، لكنّه إنتقد أخيرًا بعنف رئيس الأركان في الجيش، اللواء الركن حاتم ملاك، من دون أن يسمّيه حيث قال: «الآن يأتينا ضابط فاشل وضعيف ليُطالب بدوره…» مُشيرًا إلى أنّ الدور يؤخذ ولا يُعطى، ومضيفًا: «كن رجلاً أيها الفاشل»! كما رأى وهّاب أنّ «أي إجتماع درزي لا يكون برعاية المشايخ هو إجتماع منقوص، ومن أهدر حُقوق الدروز لا يستطيع تحصيلها». فما الذي يحصل على الساحة الدرزيّة؟
مصادر سياسيّة درزيّة لفتت إلى أنّه ليس سّرًا أنّ رئيس «الحزب التقدّمي الإشتراكي» النائب وليد جنبلاط إختار في السنوات القليلة الماضية، وخُصوصًا في الأشهر القليلة الماضية، إعتماد سياسة مُهادنة مع أغلبيّة القوى السياسيّة في لبنان، بحيث توقّف عن المُواجهات السياسيّة والإعلاميّة مع مُختلف الأطراف، لا سيّما مع «حزب الله» ومع «التيّار الوطني الحُرّ»، وإنكفأ سياسيًا بعيدًا عن المُشاحنات الإعلاميّة الحادة والمُواجهة السياسيّة القاسية، إن خلال إجتماعات المجلس النيابي أو على طاولة مجلس الوزراء أو حتى خارجهما أيضًا، الأمر الذي إنعكس تهدئة مُقابلة من جانب العديد من القوى السياسيّة التي كانت في السابق تُهاجم «الحزب الإشتراكي» و«السياسة الجنبلاطيّة» عُمومًا. وأضافت هذه المصادر أنّه إذا كان صحيحًا أنّ سياسة وقف التصعيد «الجُنبلاطي»، والإنكفاء السياسي عن كثير من الملّفات الخلافيّة والشائكة، قد حمى جزئيًا الطائفة الدُرزيّة من التقلّبات والتغييرات الحادة على مُستوى المنطقة، وجعلها خارج لعبة التجاذبات الطائفيّة والمذهبيّة والسياسيّة وخارج لعبة المصالح الإقليمية والدَولية أيضًا، فإنّ الأصحّ أنّ هذه السياسة بالتحديد قد أدّت إلى تراجع النُفوذ السياسي الدُرزي في الدولة اللبنانيّة، وإلى فُقدان الدُروز كطائفة وكأحزاب وكشخصيّات سياسيّة القُدرة على التأثير في الحياة السياسيّة الداخليّة.
وأشارت المصادر السياسيّة الدُرزيّة إلى أنّ تبدّل خريطة التحالفات الداخليّة بسبب الأزمة التي سبقت إنتخاب رئيس جديد للجُمهوريّة، أفقدت الزعيم الجنبلاطي ورقة «بيضة القبّان» بين قوى «8 و14 آذار السابقة»، والتي كانت تجعله محط أنظار هذه القوى بهدف إستمالته إلى جانبها. وأضافت أنّ إقرار القانون الإنتخابي النسبي من دون أي تدخّل يُذكر للدروز في صياغة هذا القانون، جاء ليُكمّل عزل الطائفة عن القرار السياسي الداخلي، حيث أنّ الثقل الإنتخابي الذي كان يتمتّع به «الحزب الإشتراكي» في الشوف وعاليه خُصوصًا بحسب القانون الأكثري، تراجع بشكل كبير مع القانون النسبي الذي يجعل إمكان ترأس جنبلاط لكتلة نيابيّة كبيرة ومتعدّدة المذاهب غير مُمكنة من دون تقديم الكثير من التنازلات وعقد التحالفات الدقيقة، علمًا أنّ القانون النسبي سينقل المعركة الإنتخابيّة إلى البيت الدُرزي أيضًا، وسيزيد من إضعاف «الهالة الجُنبلاطية» شبه الأحادية السابقة. وتابعت المصادر نفسها أنّه بعد سُقوط «بيضة القّبّان» ومع توقّع إنحسار حجم كتلة «جبهة النضال الوطني» النيابيّة وبالتالي نُفوذها السياسي، توالت الضربات السياسيّة والمعنوية للطائفة الدرزيّة من خلال تراجع تأثيرها في قرارات السُلطة السياسيّة بشكل كبير وواضح، وفي تراجع حُصصها من التعيينات بشكل لافت أيضًا، وفي تحوّل دورها ككل إلى دور ثانوي وغير مُؤثّر في الحياة السياسيّة الداخليّة وفي النظام ككل.
ورأت المصادر السياسيّة الدُرزيّة أنّ الطائفة الدرزية بحاجة سريعًا إلى إعادة تحديد لبُوصلة عمل قياداتها، لوقف تآكل دورها المُستمرّ، خاصة وأنّ حجمها العددي لا يسمح لها بإستعادة هكذا دور في أي إنتخابات مُقبلة وفق القانون النسبي، ومُحاولات عزلها وإضعافها لا تقتصر على فريق دون آخر، حيث أنّ بعض الجهات السياسيّة إستكثر عليها الحُصول على منصب رئاسة مجلس شيُوخ لم يُبصر النور بعد وهو لا يزال في مرحلة «الحبر على ورق». وأضافت أنّ الخيارات السياسيّة لقياداتها في «الزمن الجنبلاطي» إذا جاز التعبير، لم تكن مُوفّقة إن بالنسبة إلى الحرب السوريّة، أو بالنسبة إلى سلاح «حزب الله» أو حتى بالنسبة إلى الموقف من إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة، إلخ. وكشفت هذه المصادر عن تململ شعبي واسع لدى طائفة المُوحّدين الدروز، بمعزل عن الإنتماء الســياسي، وأضافت أنّ الكثير من المشايخ باتوا يعتــبرون أنّ الوقت حان لتحرّك سريع وحازم لاستنهاض الحالة الدرزيّة، ولإعادة القوى السياسيّىة الدرزيّة على إختلافها، إلى التركيبة السياسيّة في السُلطة اللبنانيّة.
وبالنسبة إلى التوقّعات المُستقبليّة، رأت المصادر السياسيّة الدُرزيّة أنّ إستمرار الإنقسامات الحادة على مُستوى القيادات الدرزيّة نفسها لا يُساعد إطلاقًا على إستعادة الدور الدرزي في الحياة السياسيّة اللبنانيّة بل يزيد في إضعافه، وأنّ تحجيم أي جهة سياسيّة درزيّة، خاصة إذا كانت بمُستوى «الحزب التقدمي الإشتراكي»، ينعكس بشكل غير مُباشر على الحالة الدُرزيّة العامة وليس على فئة دُرزيّة دون سواها. وأضافت أنّه طالما أنّ النائب وليد جنبلاط مُصرّ على سياسة الإنكفاء السياسي، وتطبيق سياسة «السقف المُنخفض» لتجنّب إثارة المشاكل، وطالما أنّ خُصوم جنبلاط على الساحة الدرزيّة يُساهمون بإضعافه لأهداف إنتخابيّة وحزبيّة مُختلفة، فإنّ لا أمل بإستعادة الطائفة الدرزيّة لدورها ضُمن التركيبة اللبنانيّة في المُستقبل القريب، بغضّ النظر عمّا يُمكن أن تُفرزه نتائج الإنتخابات النيابية المُقبلة، لأنّ المسألة لم تعد مُرتبطة بنائب هنا أو هناك، بل بمسألة هدر للحُقوق من قوى سياسيّة أخرى ومن طوائف ومذاهب أخرى، تارة تحت عنوان الحجم العددي المحدود للدروز، وطورًا تحت عنوان الخيارات السياسيّة غير المُوفّقة لبعض القادة الدروز، إلخ.