استحوذت المواقف الجنبلاطية خلال الأيام الماضية باهتمام المعنيين، لا سيما أنها ذهبت باتجاهات تشير الى اصطفاف سياسي جديد لسيد المختارة، والمعروف عنه تقلباته السياسية التي يقرّ بها لدواعي المرحلة وظروفها، وتحديداً إقليمياً ودولياً. وهنا تشير أوساط سياسية متابعة للحراك الجنبلاطي، الى أن اللافت في مواقفه يتمثّل بإطلاقه إشارات إيجابية تجاه «حزب الله» منذ إطلالته المتلفزة وصولاً إلى تغريداته على «تويتر»، بحيث لم يمانع لقاء أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله. والسؤال هنا كيف سيكون عليه الوضع حيال هذا التقارب مع دول الخليج التي أعلنت حربها على «حزب الله»، وإن كانت العلاقة بينه وبين الرياض عادية في هذه المرحلة دون أن تنقطع، بحيث أبقى جنبلاط الوزير وائل أبو فاعور متأهباً للتشاور مع المسؤولين في المنطقة في حال كانت هناك مستجدات تقتضي ذلك، وفي المقابل ترك الخيار للنائب غازي العريضي بالتنسيق والتواصل مع «حزب الله» والحزب القومي حتى في موضوع البلديات إذا اقتضى الأمر إن في بلدته أو في أماكن أخرى، وذلك في سياق العلاقة التي تربط العريضي بشيخ العقل ناصر الدين الغريب المقرّب من إيران و«حزب الله» وقوى 8 آذار بشكل عام.
أما لماذا هذه الإشارات الإيجابية من رئيس «اللقاء الديموقراطي» فتقول الأوساط نفسها، أن جنبلاط يرى أن هناك تخلياً من المجتمع الدولي عن دعم المعارضة السورية، والدلالة على ذلك ما يجري اليوم من مجازر في حلب دون أي حراك دولي في هذا الاتجاه، إضافة إلى أنه يرى وفق معلوماته، أن الحرب في سوريا متجهة إلى سيناريوهات عديدة وخطرة ستستغرق وقتاً طويلاً، ما يدفعه إلى العمل على تحصين الوضع في لبنان، ولا سيما من خلال التواصل مع «حزب الله» كي لا تتكرّر الأحداث السابقة من السابع من أيار وسواها. كذلك فإنه يعبّر عن انزعاجه من محاولات إقصاء «حزب الله» التي لها انعكاسات سلبية على الداخل اللبناني، وتحديداً على الساحتين السنية والشيعية، إلى ما يمكن أن تؤدي عملية الإقصاء من سلبيات لا تحصى في هذه الظروف الراهنة.
وإن كان زعيم المختارة متمسكاً بموقفه من النظام السوري، وما مشاركته في اعتصام «الإسكوا» لإدانة المجازر التي يرتكبها النظام في حلب إلا تأكي على ثبات موقفه من هذا النظام، لكنه يسعى إلى تحييد «حزب الله» رغم الاختلاف معه بشأن الملف السوري عن هذه الصراعات الإقليمية في المنطقة، على اعتباره مكوّناً سياسياً لبنانياً أساسياً.
وفي سياق آخر، فإن جنبلاط بدأ يعد العدّة لمرحلة جديدة ولا سيما لناحية توريث نجله تيمور، وما تطرّق إليه في احتفال وطى المصيطبة عن النقلة النوعية التي سيشهدها الحزب الإشتراكي إلا المؤشّر في سياق موقف قد يعلنه جنبلاط في المؤتمر العام للحزب، ويقضي بتنحّيه من رئاسة الحزب الذي سيصبح في عهدة نجله تيمور، وإن أشار سيد المختارة بما معناه أنه ليس مشكلة من أن يتولى الرئاسة، إن كان تيمور أو سواه، ولكن المعلومات تؤكد بأن الأشهر المقبلة ستشهد على توريث كامل لتيمور من رئاسة الحزب إلى الزعامة الجنبلاطية والنيابة في حال عقدت جلسة تشريعية أو حصل مخرج ما لقبول استقالة النائب جنبلاط، والتي ربما وفق المشرّعين لا تحتاج إلى جلسة تشريعية، بل إلى كتاب استقالة إلى رئاسة المجلس يطرح على هيئة المكتب، أي ليس هناك من إعاقة دستورية لقبولها، بل ربما ثمة ظروف سياسية حالية تبقي الإستقالة مجمدة، وهذا يستدل من الإشارة أو الرسالة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، عندما قال ضاحكاً، وفي إجابة عن سؤال بمعنى كيف نناقش الاستقالة أو نقبلها في حال لم تعقد الجلسة التشريعية.