IMLebanon

زيارة جنبلاط… بروتوكولية أم سياسية؟

حازت زيارة النائب وليد جنبلاط إلى السعودية، التي التقى فيها الملك السعودي والقيادة في المملكة، على قراءات عدة حول أسبابها وأبعادها وظروفها وخلفياتها.

زوّار المملكة يؤكدون أنّ السنوات الأخيرة التي تدافعت فيها الأزمات من سوريا إلى اليمن وما بينهما النووي أدخلت تعديلاً جوهرياً على الدور السعودي الذي انتقل من الديبلوماسية الناعمة في التعبير والممارسة إلى رأس الحربة في المواجهة الديبلوماسية والعسكرية.

ويكشف هؤلاء الزوّار انّ «عاصفة الحزم» التي أطلقتها الرياض لاستعادة اليمن إلى الحضن الخليجي تعكس جوهر السياسة السعودية القائمة على الحزم والحسم، حيث لا مكان للتسويات والتنازلات والمساومات.

ويقول الزوّار انّ التشدد هو سمة المرحلة سعودياً، لأنّ سياسة الانفتاح أظهرت لهم فداحة ضررها لجهة استغلال طهران هذا العامل من أجل توسيع نفوذها إلى درجة المساس بالأمن القومي الخليجي، وعدم الاكتفاء بما هو حاصل في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق والذي كان مصدر شكوى دائمة ومستمرة، حيث تولّدت قناعة عن وجود مشروع يرمي إلى وضع اليد على المنطقة، وان لا خيار سوى في اللجوء إلى سياسة مواجهة من المحيط إلى الخليج.

وأمّا الانطباع الذي يخرج به الزوّار فهو انّ المملكة منفتحة على الجميع، وتأخذ في الاعتبار ظروف كل القوى والشخصيات السياسية، ولكنّ الذي يريد ان يكون في عداد أصدقائها يجب ان يكون حليفاً سياسياً لها، وشريكاً في رؤيتها الاستراتيجية لشؤون المنطقة وشجونها.

وانطلاقاً من هذه الصورة يمكن الكلام عن زيارة جنبلاط الأخيرة إلى الرياض والتي يجب وضعها في سياق المرحلة السياسية في المنطقة، كما السياسة السعودية تحديداً، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع جنبلاط ان يتمَوضع في قلب هذه السياسة؟ وما مدى اقترابه أو ابتعاده عنها؟ وأين يلتقي ويختلف معها؟

لا خلاف مبدئياً بأنّ رئيس «الاشتراكي» يتقاطع مع المملكة في كل ملفات المنطقة بدءاً من سوريا وصولاً إلى اليمن، ويحرص على الدور العربي والحاضنة السعودية، وانّ أولويته إحياء العلاقة مع الرياض، وليس فتح علاقة مع طهران، ولا ينظر إليهما بعين واحدة على غرار بعض القوى السياسية وتحديداً المسيحية التي تدعو إلى النأي عن السعودية وإيران، بل يعتبر بوضوح انّ الرياض صديقة وحليفة للبنان.

ولا خلاف مبدئياً بأنّ رئيس «الاشتراكي» يتقاطع مع السياسة السعودية في لبنان اليوم لناحية التبريد السياسي، والدليل تيار «المستقبل» الذي تقاطع بدوره، منذ تأليف حكومة الرئيس تمام سلام، مع «حزب الله» على التهدئة السياسية، حيث انّ جنبلاط لن يرى دوراً له اليوم خارج سياق التبريد وشراء الوقت والتنازل تلافياً للتسخين السياسي، والدور الذي أدّاه في تسوية الترقيات يقدّم الدليل القاطع على مدى استعداده لإبرام أي تسوية تُسهم في الحفاظ على الاستقرار السياسي ولو كانت على قاعدة الابتزاز السياسي التي يمتهنها الفريق الآخر.

ولا خلاف مبدئياً بأنّ أولوية رئيس «الاشتراكي» تجنّب تكرار أحداث ٧ أيار، وبالتالي الحرص على أمن جبل لبنان الجنوبي، أي استبعاد كل ما من شأنه توتير العلاقة مع «حزب الله» الذي يتعاطى بدوره مع جنبلاط انطلاقاً من قاعدتين:

القاعدة الأولى، التمييز بين مواقفه السياسية وتصرفاته العملية، حيث انّ الحزب لن يقيم وزناً لمواقف جنبلاط طالما أنها في سياق تسجيل المواقف.

القاعدة الثانية، يحرص الحزب على عدم ترجيح جنبلاط كفة ١٤ آذار في الأمور الحيوية والأساسية والاستراتيجية، أكانت من طبيعة رئاسية أم مجلسية وحكومية، أو قرارات وزارية مهمة، وبالتالي طالما كتلته النيابية لا تعطي لقوى ١٤ آذار الأكثرية فلا مشكلة للحزب مع مواقف جنبلاط السياسية.

فتموضعه في الوسط أدى إلى ترييح «حزب الله»، وشكّل عاملاً مشجعاً للتمديد النيابي في غياب إرادة ٨ و ١٤ آذار وسعيهما إلى الفوز بالأكثرية النيابية، ما أدى عملياً إلى تعطيل اللعبة السياسية.

فخطورة رئيس «الاشتراكي» بالنسبة إلى «حزب الله» ليست في مواقفه، بل في تموضعه السياسي وقلبه لميزان القوى الداخلي، وبالتالي في ظل رؤية الحزب لدور رئيس الاشتراكي الذي يجب ألّا يرجّح كفة فريق على آخر، وهذا ما يقوم به تحديداً، فإنّ العلاقة التعاونية بين الطرفين مرشحة للاستمرار.

ولكنّ الوضع الحالي بجموده السياسي وغياب الاستحقاقات الدستورية وحرص «المستقبل» و»حزب الله» على التبريد، يشكّل وضعاً مثالياً لجنبلاط الذي لا يجد نفسه محرجاً، بل يتمنى لو يتحوّل هذا الوضع المؤقت إلى دائم، إلّا أنّ السؤال الأساسي هو ماذا لو تناقضت رغبة الحزب ومصلحته مع رغبة حلفاء المملكة ومصلحتهم، وبالتالي كيف سيتموضع رئيس «الاشتراكي» في هذه الحالة؟

فإذا حافظ على وسطيته سيخسر علاقته مع المملكة التي أعادت فتح ابوابها له، وإذا انحاز إلى قوى 14 آذار يخشى من أن يعرِّض نفسه ومنطقته إلى امتحان أمني، الأمر الذي سيضعه بالتأكيد أمام مفترق طرق صعب.

فالوضع الحالي إذاً هو وضع مثالي لجنبلاط، ولكن إلى متى يستمر؟ لا شك انه وحتى إشعار آخر سيحافظ على وسطيته، وسيتكئ على رغبة «حزب الله» و«المستقبل» باستمرار التوازن السياسي الذي يشكّل الإخلال فيه مقدمة لاستعادة فصول المواجهة السياسية بين عامي 2005 و2008.

وإذا كان النائب جنبلاط يتمنى إبعاد هذه الكأس عنه، فإنّ تحييده من «ورطة» ترجيح فريق على آخر يكون بفوز 8 أو 14 آذار بالأكثرية العادية، ما يوفّر عليه هذا الامتحان، لا سيما أنّ حجم تكتّله لا يمنح أيّاً من الفريقين أكثرية الثلثين.

ولكن مَن القائل إنّ المسألة بالنسبة إلى الرياض تقاس على أساس حجم الأصوات أو الترجيح، وانه لا ينظر إليها كمسألة مبدئية تتصل بتموضعه إلى جانبها أو ضدها؟

ويبقى انه في ظل غياب المعلومات عن أجواء اللقاء، فلا يمكن إدراجه سوى في خانتين: إمّا بروتوكولية على خلفية عائلية لطَي صفحة خلافية، وإمّا في الخانة السياسية الذي يعني أنّ المملكة فاتحَت جنبلاط بتموضعه السياسي وطلبت منه أشياء محددة، لأنه إذا كان استقبالها للدكتور سمير جعجع مسألة طبيعية في سياق التحالف الاستراتيجي الواحد، فإنّ استقبالها لجنبلاط لا يمكن ان يندرج في هذا السياق إلّا في حال خروجه من الوسطية إلى 14 آذار المحلية والإقليمية.