Site icon IMLebanon

جنبلاط غير مُستهدَف… إلّا إذا فعلها الأسد!

ليس جديداً أن يُطمئن رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله» النائب وليد جنبلاط الى موقعه السياسي، ولكن من علامات المرحلة أن يحتاج جنبلاط إلى تطمينات انتخابية من المسيحيين. إنه التحوّل الأول من نوعه، بعد ربع قرن من الممارسة السياسية تحت سقف «إتفاق الطائف».

يقول القريبون من جنبلاط: «حتى الآن، لسنا مطمئنّين إلى الوعود التي تلقّيناها في ملف قانون الانتخابات». ويعني هذا الكلام أنّ جنبلاط لم يقتنع بعد بما تلقّاه من وعود بضمان موقعه: لا التطمين الأخير الصادر عن الدكتور سمير جعجع، ولا تأكيدات بري المستمرة، ولا حتى زيارة وفد «حزب الله» له في كليمنصو.

ينتاب جنبلاط قلق من التعاطي معه كـ«ورقة محروقة»، إنتهى دورها بانتهاء مرحلة وبداية أخرى، وهو «المدلَّل» الذي صُنِعت القوانين الانتخابية على قياسه في العهد السوري وبعده.

وهو يشعر اليوم بأنّ عودة «الضلع المسيحي» في المثلّث، إلى جانب الضلعين الشيعي والسنّي، سيدفع به خارج اللعبة. ولذلك، هو يرفع الصوت إلى أقصاه مطالباً بقانون 1960. فلا فائدة من الصراخ بعد الانتخابات، إذا جرت وفق النظام النسبي.

البعض يعتقد أنّ جنبلاط ليس خائفاً إلى هذا الحدّ، وهو يدرك أنّ أحداً لن يلعب ورقة التخلّي لا عن زعامته ولا عن الموقع الدرزي التقليدي في الحياة السياسية. ولذلك، فالحملة التي يطلقها تهدف إلى رفع سقف المساومة إلى الحدّ الأقصى.

ولكن، واقعياً، هناك مقدار من القلق الجنبلاطي مبرّر ولا يمكن إنكاره. فعودة المسيحيين إلى القرار السياسي، من خلال وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وتحالفه مع «القوات اللبنانية»، ستؤدي حتماً إلى المسّ بحجم التمدُّد الجنبلاطي خارج دائرة الزعامة الدرزية.

ولذلك، يبدو التحدّي المطروح على جنبلاط في المرحلة الجديدة هو: هل سيستمرّ «زعيم الجبل» أم سيكون «زعيم الدروز»؟

القريبون من المختارة يقولون: «ليس جديداً علينا أن نضطلع بزعامة تتجاوز بيئتنا الضيقة، فالزعامة الدرزية على الجبل تاريخية. وبعد الاستقلال، تزعَّم الراحل كمال جنبلاط الحركة الوطنية على مستوى لبنان كله. وبعد اغتياله، كان طبيعياً أن يحافظ وليد جنبلاط على «مدى حيوي» لزعامته في الجبل.

وترفض المختارة أن يوصف التنوُّع في التمثيل الطائفي داخل كتلتها النيابية بأنه خلل سياسي أو طائفي. وعليه، لا يجوز اعتماد قانون للانتخاب ينتزع منها هذا التنوّع، المسيحي بغالبيته. والنسبية هنا هي الخيار الأسوأ.

عند هذه النقطة يقع التنافس بين جنبلاط والقوى المسيحية. ويقول قيادي مسيحي: «كان ممكناً الكلام على زعامات عابرة للطوائف حين كانت القوى السياسية كلها تلتزم هذا الخيار».

وفي الزمن الذي شهد زعامات عابرة للطوائف، قبل «اتفاق الطائف»، كان المسيحيون في أوج قوتهم، ولهم في المجلس النيابي 54 نائباً مقابل 45 للمسلمين. وكان المسيحيون يوصلون إلى المجلس نواباً مسلمين كما العكس، وكان رئيس الجمهورية صاحب الصلاحيات الأقوى.

ويقول القيادي المسيحي: «اليوم، يتقوقع الجميع طائفياً، بل مذهبياً، ويُراد من المسيحيين فقط أن يساهموا في تدعيم الكتل الأخرى، وأن يتخلّوا عن مقاعدهم النيابية في الجبل وسواه. ولكن، يضيف القيادي، لئلّا يدفع المسيحيون وحدهم الثمن، يجب أن يكون الاتجاه عادلاً. فإمّا أن تتقوقع الطوائف ويتحصّن كل منها مع نوابه، وإمّا أن تنفتح كلها على التنوُّع».

ومن هذه الزاوية، يمكن فَهم الحرص الذي أبداه جعجع على التحالف مع جنبلاط. ففي الواقعية السياسية، يدرك المسيحيون أن لا الشيعة ولا السنّة سيعمدون إلى إقصاء جنبلاط سياسياً. كذلك يدرك المسيحيون مفارقة مهمة، وهي أنّ الحفاظ على خصوصية الموقع الدرزي حيوي حالياً حتى لحماية الموقع المسيحي في المدى البعيد. فبين الطرفين «عداوة كار» أحياناً، ولكن أيضاً وحدة مسار ومصير.

الأرجح أنّ تسوية مسيحية ـ درزية مطلوبة قبل الانتخابات النيابية التي ربما ستتأخر إلى نهايات الصيف. وأيّاً يكن القانون المعتمد، فالمنتظر تفاهم الحدّ الأدنى و«فكّ الاشتباك» بين جنبلاط والقوى المسيحية.

صحيح أنّ جنبلاط استفاد، بعد «الطائف»، من غياب الزعامات المسيحية ليجعل نفسه بديلاً لا بدّ منه في أي تسوية سنية ـ شيعية، لكنّ المسيحيين أنفسهم أدركوا عواقب سياسات الإقصاء، وليس متوقّعاً أن يمارسوها ضد جنبلاط.

وعلى الأرجح، لن يتمّ استهداف جنبلاط في الانتخابات المقبلة. ولكن، يبقى سؤال واحد لدى المعنيّين بالملف: لقد كان جنبلاط حجر الارتكاز في العهد السوري، قبل أن يتحوَّل رأس الحربة ضد الأسد في 14 آذار.

واليوم، إذ يوقف أعداء الأسد المسيحيون والسنّة، حملاتهم المباشرة عليه، لضرورات المرحلة، فإنّ جنبلاط الذي كان السبّاق إلى المطالبة بطَيّ النقاش حول ملف «حزب الله» وسلاحه، يُبقي حملته بلا سقف ضد الأسد.

من هذه الزاوية فقط يمكن أن تكون هناك إرادة لـ«تَدفيع» جنبلاط ثمن مواقفه. فالأسد الذي لطالما دعا الزعيم الدرزي إلى إسقاطه، هو اليوم في الموقع الأقوى في سوريا. فهل يلعب أوراقاً لبنانية تؤدي إلى إضعاف جنبلاط سياسياً لمصلحة الحلفاء في الساحة الدرزية؟ وما هي نظرة القوى الشيعية إلى خيار من هذا النوع، إذا كان قائماً؟