IMLebanon

20 حزيران آتٍ… ولا قانون!

«ساعة الرمل» ماشية، وتكاد تصل إلى النهايات، ولكن أين قانون الانتخاب الموعود؟ ستكون معجزة إذا حقّقت القوى السياسية في 12 يوماً ما عجزت عن تحقيقه في 12 عاماً!

يقول المتابعون للمفاوضات الجارية في الملف الانتخابي إنهم لم يلمسوا لدى معظم القوى المعنية أنها «مُستَقتِلة» لإنجاز قانون الانتخاب في صيغته النهائية قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي في 20 حزيران. هي تريد فقط غسل أيديها من دم التمديد.

هناك نقصٌ كبير في التواضع لدى الجميع: المعتادون على المكابرة خلال عقود يستصعبون التواضع، فيما المتلهّفون إلى تحقيق المكاسب، بعد جوعٍ عتيق، لا يريدون تفويت فرصة الشَبَع.

والتسوية التي تمّت، بصعوبة، كانت حول العنوان العريض: النسبية و15 دائرة. لكنّ التفاصيل التي يتمّ طرحها في كل لحظة من شأنها أن تقلب الأمور رأساً على عقب، وأن تنسف الأسس التي عليها جرت الموافقات على العنوان العريض، ما يجعل التوصل إلى قانون انتخاب أمراً شديد الصعوبة.

وتبدو ملامح الندم على الموافقة لدى كثيرين، ويكاد هؤلاء يعلنون التراجع حتى عن العنوان العريض، لولا الخوف من تحميلهم المسؤولية عن تعطيل القانون. وربما ستنتهي المداراة مع إمرار استحقاق التمديد للمجلس، قبل 20 حزيران. فعندئذٍ سيعود الجميع إلى السقوف العالية بلا تحفّظ. ولذلك، يتوقع البعض أن يتحوّل الجوُّ عاصفاً بعد التمديد.

لو كان الفشل في إنتاج قانون جديد مسألة تقنية محض محلية، لما كان هناك مبرِّر للقلق. لكنّ هناك هاجساً من وجود «كلمة سرّ» إقليمية للعرقلة، انتظاراً لظهور موازين القوى الجديدة في المنطقة، من اليمن وسائر الخليج إلى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق وعمّان والقاهرة.

والأرجح أنّ معادلة الـ«س- س» التي لطالما فرضت التسويات في لبنان هي التي تفرض فيه النزاعات اليوم، بعدما تحوّلت سعودية – إيرانية. وطبيعي أنّ القوى المحلية التي تأتمر بالخارج للقبول بالتسويات تأتمر به أيضاً للتعطيل أو حتى لتفجير الحروب والتناقضات، كما حصل دائماً خلال الحرب الأهلية.

اليوم، هناك اقتناع بأنّ المحاور المتنازعة في الشرق الأوسط تُوَسِّع دائرة نزاعها لتشمل رقعةً أكبر. وليس منطقياً أن يُسلّم أيّ محورٍ بتسليم أوراقه في لبنان، فيما هو يخوض المنازلة الكبرى.

وفي اعتقاد البعض، أنّ العراقيل التي تعترض القانون مقصودة وموحى بها من الخارج. فلا قرار بإنتاج حلول في لبنان حالياً، ومنها الانتخابات، بل لا اتفاق على الصيغة المفترَض أن يقوم عليها لبنان، بعد انتهاء الحروب الإقليمية التي ستفرز صيَغاً جديدة للكيانات الشرق أوسطية كافة.

ولعلّ المثير هو أنّ الطرف المسيحي، غير المحسوب على محور إقليمي، يخوض معركته محاوِلاً تحقيق بعض التوازن المفقود في السلطة، مستغلّاً عودة نوعٍ من توازن القوة بين المحورين السعودي والإيراني، أي بين السنّة والشيعة، وعدم قدرة هذه القوى على إبداء اعتراضات كبيرة.

والواضح مثلاً أنّ الطرف السنّي الأساسي والأقوى، أي الرئيس سعد الحريري، يُبدي ليونة لافتة إزاء ما تطرحه القوى المسيحية، اعتقاداً منه أنّ المسيحيين لن يشكّلوا عائقاً أمام استعادة الحضور السنّي، وأنهم شركاء السنّة في مواجهة الفائض من النفوذ الشيعي.

وفي الساعات الأخيرة بدا الحريري متفائلاً جداً بقانون انتخاب قريب. لكنّ القوى الشيعية تتجنّب خسارة المكاسب السياسية التي حقّقتها على مدى أكثر من ربع قرن مضى.

وإذا عرف المسيحيون كيف يخوضون معركتهم، فقد يتمكّنون من إعادة تثبيت حضور مقبول داخل المعادلة، فيما الآخرون منشغلون بالنزاع. لكن ما يخشاه البعض هو أن يضحّي بعض القوى المسيحية بمصلحة المسيحيين في سبيل مصالحه الخاصة، كما حصل في كثير من المراحل والمحطات.

لذلك، يقول نائب معنيّ بإنضاج الطبخة الانتخابية: لا أجواء مشجّعة على إنتاج قانون انتخاب جديد، لا محلياً ولا إقليمياً. وستشهد المرحلة المقبلة سخونةً عالية في التفاوض، لا على قانون الانتخاب فحسب، بل على معظم البنود الإشكالية في «اتفاق الطائف».

وهناك تحدّيات جديدة طرأت على المشهد الإقليمي في الأيام الأخيرة من شأنها أن تدفع الجميع إلى التريّث والانتظار وتكرار المراهنة على تحقيق انتصارات إقليمية تنعكس محلياً. وسيكون «حزب الله» أكثر المهتمين بمتابعة هذه التحديات الإقليمية، في مقابل التخلّي نسبياً عن «وجع الرأس» الداخلي.

كل ذلك سيجري أمام أعين القوى الدولية التي تتمسك بمطلب واحد من القوى السياسية اللبنانية: الحفاظ على الاستقرار، بكل مندرجاته السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية. ولا مشكلة إذا كانت الفترة التمديدية تحت خط الاستقرار.

ولا مشكلة في أن يطول التمديد للمجلس النيابي عاماً كاملاً، كما هو مرجّح حتى اليوم. ولكن، إذا تسبّبت المفاوضات باضطراب يهدّد الاستقرار اللبناني، فستمارَس ضغوط دولية على لبنان لإجراء انتخابات سريعة وفق القانون الساري، أي قانون 1960، وهو يبقى سارياً إلى أن يتمّ إصدار قانون جديد.

إذاً، الضجّة حول قانون انتخاب سيولد خلال 12 يوماً تبدو مفتعلة. والذين يتسبّبون بهذه الضجّة إنما يفعلون ذلك لتبرئة الذمّة وغسل الأيدي من تمديد يُراد له أن يكون «تقنياً» في الشكل، لماء الوجه، لكنه في الواقع تمديد نقولا فتوش «بالصوت وبالصورة».