IMLebanon

ذكرى 5 حزيران: ما زال جوهرنا الهزيمة

مرت ذكرى هزيمة الخامس من حزيران منذ بضعة أيام. لا نعرف كيف نتذكر. نفضل ذكريات الفتوحات المجيدة منذ 1500 عام. ننكر الهزيمة الراهنة، وهي لا تقتصر على إسرائيل ـ العدو الوجودي، بل تشمل جميع جوانب الحياة تقريباً. تبعية غذائية للخارج، إنفاق شديد البذاءة على التسلح الذي نستخدمه ضد بعضنا بعضاً، انقسام وتمزق، تتوسع الهوة بين الفقراء والأغنياء، عمالنا أشبه بالرقيق، أموال الأغنياء للخارج لا للاستثمار في الداخل، كلام مزدوج حول التحرير والديموقراطية والمواجهة، موقف زحف أمام العالم المتقدم، الهجرة إلى الشمال، استعصاء قضية المرأة، فقدان الهوية واستفحال عقدة الهوة، الخطاب الثوري، تضخيم كلمة «نحن» والمذاهب، تقلص حقوق الإنسان، مكانها الحروب الأهلية والقتل والدمار.

الواقع الكبير هو تأخرنا على صعيد الشغل والإنتاج، إنتاجنا للوجود ضعيف لدينا ما يقرب من 400 مليون إنسان عربي هم جميعهم أفواه وأجساد، لكن ليسوا جميعهم شغيلة منتجين برغم وجود الدماغ. هم نفوس محطمة وغاضبة… ما عدا الشباب الذين يهربون يومياً من الوطن. سفن الهجرة كثيرة إلى حيث ينقذهم الغرب، بينما التهجير القسري شائع عندنا على أرض الوطن من مكان إلى مكان وإلى الخارج. صحراؤنا تتوسع، زراعتنا تتقلص حتى الصفر، صناعتنا مزرية، عقولنا شبه فراغ إلا من بعض الأفكار التي لا تفيد شيئاً إلا في إسلام إحيائي يمعن في القتل والتدمير. مثقفونا مأجورون، ساستنا تابعون. إسرائيل تمرح.

نحتاج إلى من ينقذنا من أنفسنا. نوجه النداءات للخارج كي يفعل ذلك. قادتنا مسنون أو أولاد صغار، والذين في منتصف العمر منهم معاقون عقلياً. السياسة مفقودة، الحرب الأهلية سيدة الموقف.

ومع ذلك يتحدثون عن انتصارات. الروح السائدة لدى البعض روح مفعمة بالانتصاروية. لكنها انتصارات الغير على أرضنا. من يقاتل عنا يمتلكنا. من يستثمر من الخارج عندنا يمتلكنا. أرضنا وثروتنا وناسنا في عهدة الغير. المفارقة هي أن جوهرنا الهزيمة، لكن حديث الانتصارات يعلو. هي انتصارات بعضنا على بعضنا. العقل مفقود، والغرائز المذهبية هي الشائعة، وهي التي تنتج خطاباً دينياً متشنجاً. انتصارات الغير على أرضنا تحول الأمة إلى غير ما هي، أو غير ما تريد أن تكون. تكاد الأمة تفنى. ولا يبقى لنا إلا اللغة التي نتكلمها بطلاقة، والتي تعلم ويتعلم الغزاة استعمالها للتواصل مع العبيد الجدد.

مشكلتنا الأساسية هي أننا لا نعرف كيف ننهزم، نفترض في الهزائم انتصارات. عندما انتصرت شعوب في الحرب العالمية الثانية ركع الحكام أو حوكموا، وجاء من يدير الشغل. بالشغل استطاعت ألمانيا واليابان (وغيرهما) العودة إلى صدارة العالم. بانعدام الشغل نزول من التاريخ. الشغل يعني الإنتاج وإعادة الإنتاج. نتكل على الاستهلاك ننتج المزيد من الملايين البشرية من دون شغل أو عمل لها. تتكدس ثروات النفط طبعاً، لكنها بالدرجة الأولى لاستقدام واستخدام عاملين غير عرب. العرب فاقدو المعنى بانعدام الشغل. وفقدان المعنى يقود إلى تشنج الدين ومنفخة الذات وحركات أصولية صارت تكفيرية، وإسلام مستورد إما من جماعات آسيوية مكلومة، أو من جيران لهم دول قادرة على القرار.

من لا يعترف كيف ينهزم، لا يعرف كيف ينتصر. منذ عقود ونحن لا نقر بالهزيمة، فلا نجد أنفسنا مضطرين لمعالجة أسبابها ونتائجها. تكون المعالجة الصحيحة بالقرار والتنمية والوحدة، والأهم من كل ذلك بالعمل والإنتاج. نعرف بالتفاصيل ونبرر الهزيمة بالاتهامات والإدانات. الطريق إلى النصر واحدة وهي أولوية الشغل لإقامة مجتمع متماسك وإنتاج وعي متفهم، فاهم، مدرك، حزين، يهيئ لعوامل الفرح. لا حلول إلا من ضمن المجتمع (المجتمعات) والشغل في سبيل الإنتاج هو الوسيلة الوحيدة. الشغل يلزمه تعليم، التعليم تلزمه مدارس، المدارس يلزمها تجديد المناهج. لا شيء غير أن تدمير التعليم كان ممنهجاً. أحزاب الإسلام السياسي الحزبي يحفظ أعضاؤها آيات قرآنية وأحاديث نبوية يستخدمونها في غير مكانها. بمجرد أن يرددوها يصيرون آلهة جدداً. يستعلون على الواقع، لا يرونه. يعتقد أنهم بترداد الكلام وارتكاب المذابح، وبث الرعب، رعب جهنم في القلوب، يحدثون تغييراً جدياً في المجتمع. تباً لهذا التغيير الذي يعيدنا إلى عهود ماضية لم توجد أصلاً. أدمغة مليئة بالأوهام حول الماضي والحاضر والمستقبل. أوهام مميتة: أهم منتجاتها عمليات انتحارية ضد أبرياء. لا مكان للعقل. الساحة مفتوحة للأوهام والمنفخات الفارغة. يسخر منها الغزاة القدماء والغزاة الجدد.

عندما سخروا من النبي والقرآن في أوروبا وأميركا كانوا يسخرون منا، يسخرون من هزيمتنا التي نتوهم أنها انتصار. يمكن أن الغير حوّلها إلى وهم انتصار، أما نحن فقد حوّلناها إلى واقع مهزوم. الواقع المهزوم هو جوهرنا الحالي.

نصر مرة بعد أخرى على أن النصر يبدأ بمواجهة إسرائيل من دون بناء مجتمع متماسك بالشغل والعمل. نعكس الأولويات ونقع في الخطأ ذاته مرة بعد أخرى.