لن تكسر النكبة السورية ولا التنكيل المريض بالسوريين ولا الخرائط المتدحرجة ولا شيشنة حلب على يدي الاحيائي الروسي الباحث عبثاً عن إعادة إنتاج أمجاد أفلت فلا يفعل سوى إعادة إنتاج أسوأ ما في تاريخ البشر منذ عهود الظلام الأولى.. لن ينجح ذلك كله في كسر السردية القائلة بأن الإيرانيين يربحون في معارك متفرقة لكنهم يخسرون الحروب! وأنهم على عادتهم، يعرفون وبشطارة كيف ينتجون الأزمات لكنهم لا يعرفون كيف يخرجون منها! مثلما لا يعرفون التمييز الحاسم بين الشطارة في تطريز سجادة عجمية وبين التشاطر في السياسة والاستراتيجيات الكبرى!
لم يخرج صانع القرار الإيراني بعد إلى سوية الإقرار بأن العالم ليس سجادة! بل هو أعقد من ذلك بعض الشيء! وفيه حسابات لا تأخذ كثيراً لا بإبرة الحياكة ولا بالرسوم المنمنمة والدقيقة، ولا بمكرمة طول النفس التي طواها الزمن وجعل منها مذمّة في عصر التكنولوجيا وعجائبها! بل تراه لم يخرج بعد من توليفة اعتبار السجادة «بساط علاء الدين» السحري والرديف الأخّاذ لطائرة الـ»أف-16» في المخيال الغيبي الإيراني!
.. يبني الإيرانيون في سوريا وعلى أشلاء عمرانها ودماء أهلها حيثية استحواذية عابرة ويفترضون أنها باقية ودائمة! يربحون معركة صغيرة ويضعونها في مستويات برلينية! يذهبون إلى الجزء ويحاربون الكل. ويناورون مع البعيد ويعادون القريب. ولا يتوقفون، ولو للحظة واحدة، عند «طبيعة العدو» أو هويته! مثلما لا يأخذون في حسبانهم حجم الأكلاف التي يتكبدونها والتي في جملتها ذات صلة وثقى بالعنصر البشري قبل المادي! ولا بالأرض التي يسعون فيها، لا بأهلها ولا بتاريخها ولا بهويتها ولا بتميزها!
تأخذهم المبالغات إلى أسرها. وفي هذه يتشاوف الشكل الانتصاري على المضمون البائس، وتغيب حقيقة أن الفخ الاستراتيجي أكبر من «الانتصار» العابر! وأن لعبة الدم في الشرق العربي والإسلامي أخطر من لعبة التلوين في الحياكة! وصنو تاريخه حفراً وتنزيلاً! وأن الاستنزاف هو صنو المدّعي الانتصاري، وحصّته اليومية.. وأن الاستقرار فوق راية الحسم في سوريا (كما في العراق!) ممنوع ومستحيل تبعاً لمليون اعتبار واعتبار، في مقدم ذلك أن الأرض عنيدة والجغرافيا أعند، وهما لأصحابهما مهما طال الضنى! وأن السلاح المذهبي بتّار وذو حدين نافرين! وأن الاقتداء بالبلطجة لا يزال خاصية إسرائيلية ولم يُعمم بعد(؟!) وأن النصّ الديني شائع شيوع أهله والآخذين به وليس حكراً على جزء منهم مهما علا صخب بيان هؤلاء وضجّوا ولجّوا بمفردة «الفئة الناجية»!
حرب سوريا طويلة ومريرة، والألمعي الشاطر فيها هو من يرى خواتيمها الكلية ولا ينتشي بجزئياتها وبعض معاركها.. وفي ذلك، أن سوريا لن تكون لغير أهلها، إلاّ إذا صدّق الإيرانيون أن إسرائيل، التي انتصرت على فلسطين، يمكنها يوماً الانتصار على الفلسطينيين! علماً بأنهم ليسوا أقوى من الإسرائيليين! وعلماً أكثر بأن السوريين ليسوا أضعف لا من الفلسطينيين ولا من أي شعب واجه عدواً خارجياً، من فيتنام إلى أفغانستان!