يحفَل الخطاب السياسي، منذ أشهر، وبالذات منذ انفجار الأزمة المالية، بعنصرين متلازمين أوّلهما محاولة كلّ طرف إدّعاء العفة، والثاني إتّهامه الآخر بأنه جزءٌ فاعلٌ مشارك في السياسات الرسمية التي أدّت إلى الأزمة. وإذا كانوا جميعاً على حقّ في العنصر الثاني، فإنّ أحداً منهم لا يمكنه أن يتدثّر بثياب العفة والطهارة والنقاء. فـ”الشمس طالعة والناس قاشعة”. وإذا كان ثمّة تقصير فالجميع متّهم به وإذا كانت ثمّة مشاركة فقلّة نادرة جداً يمكنها رفع الرأس.
إلى ذلك يراهن الكثيرون من المسؤولين (في السلطة وخارجها على حدّ سواء) على عودة الثورة. وفي تقديرنا هو رهان إستعراضي ديماغوجي، ويصحّ في معظمهم أنّ ما يصدر عن اللسان مغاير تماماً لما هو في القلب. فكم من سياسي يلوّح علناً بعودة الثورة وهو يعرف أنها ترذله! والثورة المُجمّدة حالياً في برّاد كورونا يُراجع أركانها حساباتهم ويسعى محرّكوها إلى إعادة تجميع الصفوف ولا نقول توحيدها. فالتطوّرات التي شهدها الشارع في الشهرين الأخيرين جاءت، على ندرتها، مُغايرة تماماً للمفاهيم التي أُعلِنت عند الإنطلاقة ذلك السابع عشر من تشرين.
ويُلاحَظ أنّ ما طرحه الثوّار في الأسابيع الأولى لانتفاضتهم كان قد ترك أصداءً واسعةً، إيجابية، لدى الخارج. فقلّما يصدر تصريح أو بيان دولي أو أممي أو إقليمي (الإتحاد الأوروبي مثلاً) من دون أن يربط الموقف من السلطة اللبنانية الحالية بـ”تحقيق مطالب الشعب”.
يحدث هذا فيما تتعذّر إعادة اللحمة إلى كلّ من فريقي 8 آذار و14 آذار. فالشروط التي وضَعها الدكتور سمير جعجع لعودة التحاف ضمن فريقه تبدو مستحيلةً خصوصاً ما يتعلّق منها بالإتفاق، مبكراً، على مرشّح واحد لرئاسة الجمهورية. وفريق 8 آذار ليس بأفضل حالاً، بعدما غرّد سليمان فرنجية بعيداً عن السرب لدرجة ما عاد يُعرَف ما إذا كانت حارة حريك على علم وموافقة مسبقين بما ذهب إليه في مؤتمره الصحافي الأخير أو أنها براء من الحدّة التي اتّسم بها رئيس المردة.
وعلى الجانب الآخر من الضفة، يذهب سامي الجميل إلى توجيه الإتهامات إلى الآخرين جميعاً (مُستثنياً ذاته بالطبع)، مُتّخذاً في دعوته إلى الإنتخابات الرئاسية المبكرة ما يصحّ معه أنّ حزبه بات “نيو-كتائب” لأنه يضرب إحدى أهمّ قواعد النهج الكتائبي من 1958 حتى اليوم.