Site icon IMLebanon

مجرّد شاهد على الدراما اللبنانية..

عندما تحط طائرته في مطار رفيق الحريري الدولي، وتطأ قدماه الأرض اللبنانية، سيتحول وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيروليت إلى شاهد جديد على حالة العجز والافلاس التي تتخبط فيها الطبقة السياسية في لبنان!

لن يحتاج إلى إنهاء جولاته مع من تبقى من كبار المسؤولين الرسميين، ولا ضرورة لانتظار نتائج لقاءاته مع رؤساء الأحزاب والقيادات السياسية الأخرى، ليدرك ان الوضع اللبناني يسير من سيء إلى أسوأ، بسبب سياسة المعاندة والنكايات المتبادلة بين الأطراف السياسية، والتي أدت إلى هذه المراوحة المخيفة في الحلقة المفرغة، وإلى استمرار الفراغ في قصر بعبدا أكثر من سنتين، دون ان يرف جفن لمدّعي الحرص على الصلاحيات الدستورية لصاحب المركز المسيحي الأوّل، في قمّة السلطة التنفيذية.

من المستبعد ان يكون رئيس الدبلوماسية الفرنسية حاملاً معه عصا موسى لحل مشكلة الشغور الرئاسي، وتحقيق التوافق المفقود بين القوى السياسية المحلية على اسم مرشّح توافقي لرئاسة الجمهورية وهذا يعني ان الوزير الفرنسي سيكرر دور رئيسه فرنسوا هولاند الذي زار لبنان في نيسان الماضي، والتقى أهل السياسة، ولم يحقق أي تقدّم لا في الملف الرئاسي، ولا على صعيد تقريب وجهات النظر بين القيادات المارونية، في إطار حثهم على العمل لإنهاء الفراغ المشين في رئاسة الجمهورية.

وفي حال فشل الزائر الفرنسي في تحقيق التقدم المنشود في هذا الملف الأساسي، ماذا يبقى من أهمية لزيارته لبنان، والتغني مجدداً بمستوى العلاقات بين البلدين الصديقين؟!

* * *

لا شك ان حائط الأزمة الرئاسية السميك، وغير القابل للاختراق حتى الآن، بسبب الخلافات المحلية والتعقيدات الخارجية سيدفع الوزير الفرنسي إلى الاهتمام بملف النازحين السوريين في بلد الأرز، وهو ملف لا يقل أهمية بالنسبة للحكومة الفرنسية من الملفات اللبنانية البحتة، خاصة بعد الهجمات الإرهابية غير المسبوقة في العاصمة الفرنسية، وفي مطار بروكسل، والتي نفذتها خلية من المتورطين في التعاون مع تنظيم «داعش»، سواء على الأراضي السورية، أم من خلال تنظيم الخلايا السرية في أكثر من دولة أوروبية.

المفارقة المأساوية في ملف النازحين انه في الوقت الذي تتهرب فيه دول كبرى وذات إمكانيات بشرية واقتصادية ضخمة، من مسؤولياتها الدولية في إيجاد الحلول الإنسانية للمناسبة، لأكثر من خمسة ملايين نازح سوري، هربوا من آلة النار والدمار إلى دول الجوار، يبقى المطلوب من بلد بحجم لبنان الجغرافي والبشري والاقتصادي، ان يحافظ على الخدمات الطبية والاجتماعية والتربوية، وذلك رغم كل ما يعانيه هذا البلد، المنكوب بسياسييه الفاسدين والعاجزين، من تحديات أمنية، وصعوبات اقتصادية، ورغم تزايد اعداد النازحين إلى أراضيه بشكل مطرد، حيث تُشير بعض الإحصاءات إلى تجاوز تعدادهم المليون ونصف المليون نازح، مقابل أربعة ملايين مواطن لبناني، يستعد كثيرون منهم للهجرة من جحيم الأزمات المتفجرة!

لقد قدم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الكثير من الوعود الوردية لمساعدة لبنان على تحمل أعباء النزوح السوري، ولكن الوعود بقيت مجرّد كلام معسول، لم يتم صرفه في عالم الدعم والمساعدات!

فماذا يمكن لوزير خارجيته ان يقدم في ملف النازحين السوريين، غير التقاط الصور الترويجية في أحد مخيمات النزوح، واستغلالها في الحراك الفرنسي الأوروبي والدولي، للاستثمار في الأزمة السورية؟

* * *

وكذلك الحال بالنسبة للتصريحات الفرنسية المتكررة حول أهمية تقديم الدعم للجيش اللبناني، والأجهزة الأمنية الأخرى، التي تتحمل مسؤولية التصدّي للتهديدات الإرهابية، بجسارة ومقدرة كبيرتين، رغم قلة الإمكانيات.

لقدتحول موضوع دعم الجيش إلى ما يشبه الأزمة في التصريحات والمواقف الفرنسية، دون اتخاذ أية خطوة عملية تعوّض، ولو نسبياً، توقف الهبة السعودية، والتي كانت مخصصة لشراء أسلحة ومعدات فرنسية لمصلحة الجيش اللبناني.

ان العمليات البطولية التي يقوم بها الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، من الأمن العام إلى المعلومات، أدّت إلى كشف عشرات الخلايا الإرهابية وتوقيف العديد من عناصرها، والتي كانت مخططاتها التخريبية تتجاوز الأراضي اللبنانية، إلى بعض الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا بالذات، الأمر الذي يستوجب على الدولة الفرنسية والدول الأوروبية الأخرى، توفير الدعم اللازم للأجهزة الأمنية اللبنانية، ليس لمنع وصول الخلايا الإرهابية إلى الداخل الأوروبي وحسب، بل وللحفاظ على أمن وسلامة مئات الآلاف من النازحين السوريين في الأراضي اللبنانية.

لقد قادت فرنسا المفاوضات الأوروبية مع تركيا لوقف النزوح السوري إلى دول الاتحاد الأوروبي، والتي انتهت بتقديم المليارات لحكومة أردوغان مقابل منع الهجرة السورية إلى أوروبا، وإبقاء النازحين السوريين في الأراضي التركية!

فماذا قدمت فرنسا للوطن المعذب، والذي يتحمل فوق معاناة مواطنيه تداعيات وجود نزوح سوري يعادل ثلث تعداده السكاني على الأقل؟

سؤال برسم رئيس الدبلوماسية الفرنسية الذي سيتحول إلى مجرّد شاهد على الدراما اللبنانية.