لبنان ليس في “بداية” التاريخ التي تحلم قوى في المنطقة بالعودة اليها لمهمة مستحيلة هي تصحيح التاريخ. وليس في “نهاية” الجغرافيا التي تكثر المخاوف منها وتتعدد السيناريوات حولها، بسبب الإنهيار المدوي حالياً. هو، كما أكدت التجارب القديمة والحديثة أيام ضعفه واستضعافه، الأقوى والأبقى من كل الذين تصوروا ويتصورون أنفسهم أكبر منه، والذين لا يرون سوى السلطة بمظاهرها والمغانم. والسر بسيط: إنه “فكرة” مرتبطة بالحرية. ولا أحد يستطيع أن يغلب فكرة متجذرة في الأرض والروح. لكنه اليوم رهينة رهانات على تطورات إقليمية، وإرتهانات في سباق سوريالي.
الرهانات في حسابات أصحابها هي على أن تؤدي المفاوضات الأميركية – الإيرانية الى صفقة جيوسياسية مهمة، بعد جولة في صدام الإرادات بانسحاب ترامب من الإتفاق النووي وممارسة “الضغط الأقصى” وتدرّج طهران في خرق إلتزاماتها بموجب الإتفاق. خطوط الصفقة، حسب تصور المراهنين، هي عودة أميركا الى الإتفاق النووي وحصول الجمهورية الإسلامية على رفع العقوبات والإحتفاظ بالبرنامج الصاروخي والنفوذ في المنطقة عبر وكلائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن، مقابل عودتها عن خرق الإلتزامات.
ولا أحد يعرف كيف تتخلى إدارة الرئيس جو بايدن عن كل ما أعلنت أنها تتمسك به، من سد النواقص في الإتفاق الى فرض القيود على تطوير الصواريخ الباليستية والحد من النفوذ الإقليمي الإيراني والتوقف عن “السلوك المزعزع للاستقرار”. لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون هو: هل كان العداء الإيراني لأميركا من أجل الوصول الى صفقة وتفاهم إقليمي أم أن الصفقة مجرد نقلة على رقعة الشطرنج في كون العداء من “أسس الثورة” كما يقول المرشد الأعلى علي خامنئي وقبله الإمام الخميني؟
والإرتهانات هي لدى أصحابها مرتبطة بالرهانات، وتدور حول السباق السوريالي الى الرئاسة الذي تدار حوافزه بالتعطيل المنهجي لتأليف حكومة بعد ستة أشهر من التكليف. من يمسك باللعبة هو “حزب الله”. وما يحكم الوضع الحالي هو التسليم لمدير اللعبة بوضع معادلة قوامها: لكم الرئاسة ولنا الجمهورية. أما في المستقبل، وسط التشكيك بحدوث إنتخابات نيابية ورئاسية، فإن السباق يبدو نحو اللامكان واللاشيء. فلا الطامحون الى الرئاسة يعرفون الى أية جمهورية يركضون، ولا العاملون من أجل لبنان آخر يملكون صورة واضحة لذلك اللبنان، ولا أحد في النهاية يستطيع وراثة لبنان.
حتى إخراج لبنان من الهاوية، فإنه أصبح مهمة فرنسا والإتحاد الأوروبي وروسيا والصين وأميركا والدول العربية، في حين أن دور اللاعبين المحليين هو “الممانعة والمقاومة” لذلك.
يقال ان الإسكندر المكدوني سأل حكماء بابل: “أيهما أبلغ، الشجاعة أم العدل؟” كان الجواب: “إذا عملنا بالعدل نستغني عن الشجاعة”. فهل فقدنا نحن العدل والشجاعة معاً؟