بعيداً من هموم السياسة الداخلية، و«قرفها» في احيان كثيرة، وبعيداً من كارثة استمرار الفراغ في منصب الرئاسة الأولى، وما يعكسه من شلل في الحكومة، الذي اعتبره الرئيس حسين الحسيني «سابقة لم يحصل مثلها في اي دولة بالعالم»، وبعيداً من سرطان الفساد الذي يفتك في بنية الدولة ويأكل من عافيتها واموالها. وآخر اخبار هذا السرطان ما كشف عنه وزير المال علي حسن خليل، من ان قيمة الخسائر المترتبة على الفساد الجمركي، «طبعاً في المطار والمرفأ وعلى الحدود» تبلغ 700 مليون دولار سنوياً، وهو رقم مخفّف وفق خبراء ومسؤولين، ويمكن مضا عفته مرة او مرتين بكل سهولة، وبعيداً عمّا قيل ويقال عن تجويف الخطة العسكرية في البقاع الشمالي، بدءاً من تهريب المجرمين الى ملاذات آمنة داخل لبنان وفي سوريا، يدخلونها بسلام آمنين.
بعيداً من كل هذه المساوىء وغيرها التي «تنغّص» عيش اللبنانيين، وتطبق على صدورهم بوجود 24 وزيراً، يعتبر كل واحد ذاته، انه الرئىس الحاكم بامره، رأيت من واجبي كلبناني وعربي ومسيحي، ان القي الضوء على الجريمة البشعة التي ارتكبت في الولايات المتحدة الأميركية، بقتل ثلاثة طلاب مسلمين من اصل فلسطيني، ومحاولة طمسها وتجاهلها والتعتيم عليها من قبل الاعلام الاميركي والاوروبي وحتى العربي، على عكس ما كان يمكن ان يحصل من اثارة وادانات وصراخ واتهامات واستغلال، لو ان المجرم الفاعل كان من اصول عربية اسلامية، ولو كان الضحايا اميركيين او اوروبيين ومن غير المسلمين.
في تفاصيل الجريمة التي غابت عن اكثرية اللبنانيين والعرب، والشعوب الاميركية والاوروبية وغيرها، ان رجلا اميركيا، يبلغ من العمر 46 سنة، اطلق النار على الشاب ضياء بركات (23 عاماً) وزوجته يسرا بو صالحة (21 عاماً) وشقيقتها رزان (19 عاماً) وفرّ قبل ان تعتقله الشرطة لاحقاً، والثلاثة طلاب في جامعة مدينة «تشابل هيل» بولاية كارولينا، وقد تعامل معها الاعلام الاميركي المحليّ، وذلك الموجّه الى العالم، بكثير من البرودة وعدم الاهتمام، بع كس ما كان يحصل عند وقوع مثل هذه الجرائم في المدارس والجامعات والاماكن، كما وسائل الاعلام الاميركية المكتوبة والمرئية، وخصوصاً منها الفضائية مثل (C.N.N) والاوروبية ايضاً، ما يشير الى مدى رخص الدم العربي في تلك البلاد التي تعتبر ذاتها، رائدة في مجال الحريات وحقوق الانسان، فاذ بها تصبح عمياء او عوراء، عن جريمة حجم جريمة قتل ثلاثة طلاب اغلب الظن انهم يحملون الجنسية الاميركية، اي انهم مواطنون اميركيون كاملون، ولو كانوا من جذور فلسطينية، وقد يكونون هربوا من آلة القتل الاسرائىلية ليموتوا بآلة قتل عنصرية، ومن يعلم، ربما تكون آلة قتل صهيونية. وهذا ما يفسّر هذا السكوت المطبق على الجريمة، بضغط من اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة والدول الاوروبية الفاعلة.
*****
ان الدول العربية، وجامعتها العاطلة عن العمل منذ زمن طويل، والشعوب العربية وتلك المحبة للسلام والمساواة، والامم المتحدة، والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الانسان، مدعوة الى عدم «التطنيش» عن هذه الجريمة، ورفعا لصوت شعبياً واعلامياً وفي المحافل الدولية، لحماية الجاليات العربية في دول الاغتراب، الى اي طائفة او مذهب او دولة انتموا. وكلنا يعرف ان العديد من اللبنانيين تم اغتيالهم عمداً وعن سابق تصور وتصميم في العديد من دول العالم، وحان الوقت لحمايتهم وحماية الاشقاء العرب من الارهاب العنصري والصهيوني الذي يتربّص بابنائنا، وخصوصاً من برهن منهم على تفوقّ وعبقرية ونجاحات، يمكن ان توظّف في الوطن الأم.
ليكن شعارنا اليوم وغداً، نريد العدالة لدم ضياء ويسرا ورزان.