Site icon IMLebanon

“لجنة العدل”… والجريمة المتمادية

 

 

 

زادَ غازي زعيتر وعلي حسن خليل “في الرقة”. نفهم أنهما أساسيان في ماكينة المنظومة الحاكمة ويستطيعان رفض المثول أمام المحقق العدلي واستخدام كل الأساليب لعرقلة العدالة، أما أن يترشحا لـ”لجنة الادارة والعدل” ويفوزا “فوزاً عظيماً”، ففي الأمر ما يتجاوز النكاية والمصلحة الشخصية الى رغبة جامحة في تمتين الانقلاب على كل معايير “دولة القانون” والذي كرَّسته الوصاية السورية وطوَّره المحور الايراني بـ”كفاءة” منقطعة النظير.

 

هي جسارة غير عادية أن يترشح مطلوبان للعدالة لعضوية المجلس النيابي بهدف التمترس وراء الحصانات والفذلكات الدستورية و”محكمة الوزراء” الوهمية. فمقارعة القضاء عبر طلبات الرد واستخدام وزير المال “المعتَّر” لمنع اكتمال “هيئة محاكم التمييز” أفضل لهما حتماً من الإنضمام الى “الطُفَّار” في الجرود، أو التحول موقوفَين محتمَلين يدفعان ببراءتهما عبر محامين وبالطرق القانونية مثلهما مثل أي مواطن شريف.

 

ذكَّرتنا منظمة العفو الدولية أمس بما لم يغب عن بالنا لحظة، بل طالبنا به فور حصول جريمة 4 آب: “لا بديل من تحقيق دولي” لأن قضاءنا أعجز من أن يحاكم مرتكبي جرائم من النوع “الثقيل”. فلا سابقةَ لتحقيق شفاف في جريمة اغتيال، ولا محاسبة لطرف أو لفرد يتمتع بحمايات تصادر حق الدولة في إحقاق الحق.

 

هذا موقف مبدئي يصدر ببرود دوري عن هيئة شُغلها الوحيد احترام “حق الناس في الحياة الكريمة” وتذكير الدولة اللبنانية وأي دولة قمعية يحكمها ديكتاتور أو تحالف مافيَوي بتوقيعها عهد الالتزام بما لا يخالف هذا العنوان. لكن يبدو أن “منظمة العفو” لم تهضم أن يحل مشتبه بهما في “الإهمال الجنائي” في لجنة برلمانية تشرِّع القوانين وتحاسب السلطة التنفيذية على التلكؤ في تطبيق ما يخدم الحق والحقيقة والعدل وانتظام الحياة العامة في دولة محترمة. لذلك طالبَت بنزع حصانة زعيتر وخليل وحرمانهما من الذريعة التي تضعهما فوق المحاسبة وتزيد آلام الضحايا وتمنع التعويض على المتضررين.

 

يمكن لزعيتر وخليل المباهاة أمام أنصارهما ومحورهما السياسي بقدرتهما على تجاوز مطلب أكثرية اللبنانيين في الوصول الى الحقيقة في تفجير مرفأ بيروت. لكن واجبهما الأخلاقي والمهني باعتبارهما محاميين كان يقتضي أصلاً أن يضعا نفسيهما في تصرف التحقيق، خصوصاً أن لا أحد في لبنان يتهمهما بارتكاب جرم عمدي، وواجبهما النيابي يتطلب أن يبادرا طوعاً الى طلب رفع الحصانة عنهما كما يحصل في أي برلمان حضاري إزاء مسألة فيها مجرد مخالفةِِ لقانون السير وليس تفجير عاصمة وإيقاع آلاف المصابين.

 

لا أحد يتوقع أن يراجع زعيتر وخليل موقفهما فيستقيلا من لجنة العدل، على الأقل لإعادة المصداقية إليها، لكن عليهما وكل الذين احتموا بمرجعيات سياسية وطائفية ألا يتوقعوا من سائر اللبنانيين وعلى رأسهم أهالي الضحايا والمتضررون أن ينسوا جريمة المرفأ أو يحيلوها الى مجهول أو يوقِّعوا صك براءة للمتهمين. هي جريمة العصر، وعرقلتها لا تدمّر أي أمل بدولة القانون فحسب، بل تعزز منطق من باتوا مقتنعين باستحالة العيش والتعايش في ظل النظام الحالي.