IMLebanon

محكمة الأحداث تنتصر للأمومة… للمصلحة الفضلى للطفل

 

 

الأم الشيعية: لا تقتلونا ونحن أحياء

 

عيد الأم يأتي لينكأ جراح الأمّهات المحرومات حضانة أبنائهنّ، لا سيّما لدى الطائفة الشيعية، التي لم ترفع سنّ الحضانة إلى اليوم. أما الطفل كرم، ابن الراحلة نادين جوني، أيقونة النضال بوجه طغيان المحكمة الجعفرية، التي سلخته عن أمّه في حياتها بعمر السنتين، فالموت تحالف ضده مع المحكمة الجعفرية مفرّقاً بينه وبين والدته ليحرمه الاحتفال بهذا العيد. لكن وللمرة الأولى عبر الإعلام، تخرج شقيقة نادين، ندى جوني للعلن، باتهامات ترجّح “فرضية القتل العمد”.

“أختي نادين، ما ماتت قضاء وقدر. بعرف هالكلام رح يفتّح جروحات بيّي، بس بدي العدالة لنادين، وأشك بأن الحادث كان مفتعلاً لم يؤخذ بها في حينه”. هذا ما قالته ندى لافتة إلى “التهديدات التي كانت تتلقاها نادين وطاردتها بعد موتها، محاولة منع إقامة عزائها في بلدتها في بنت جبيل”. بمعزل عن شكوك العائلة بظروف موت نادين، يبقى الثابت بأنها كانت ميتة قبل الحادث بعشرة أعوام، وهي مدة حرمانها أمومتها وحضن ابنها كرم.

 

 

 

لكن “تواقيع” قضاة المحكمة الجعفرية، تخطّت في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، تهديد الأمومة إلى تهديد أرواح عائلات بأكملها. وهو ما ارتقى وفق الأم عبير خشاب لـ “الجريمة، بعد منعي من إصدار جوازات سفر لأبنائي على الرغم من موافقة محكمة الأحداث الناظرة بالمصلحة الفضلى للطفل بحجة الولاية الجبرية للأب”، فيما كان “الشيخ موسى سموري يصدر جوازات سفر لأطفاله، ويسفّرهم خارج البلاد، وأنا وأولادي نموت من الرعب في منزلنا على مشارف الضاحية الجنوبية لبيروت”.

 

في الأثناء، هناك 128 نائباً في البرلمان اللبنانيّ، يتحضّرون غداً، لكتابة معايدات للأم اللبنانية في عيدها فيما اقتراح قانون الأحوال الشخصية الموحّد، المعدّ من قبل جمعية “كفى”، موضوع في درج المجلس، كون وضعه أولوية يغضب المحاكم الروحية التي يبدو أنّ إرضاءها أهم من إقرار قوانين تعزز المواطنة وتوحّد الأحوال الشخصية وتساوي بين النساء اللبنانيات وبينهن وبين الرجال. أما لسان حال الأمّهات لا سيّما المسلوبات حقوقهنّ بالحضانة: فهو عيد بأي حال عدت يا عيد؟

 

 

أولاد الشيخ يهربون… وأولادي ممنوعون من الهرب

 

“عايشة في غابة عم بحمي ولادي من محاولات افتراس مستمرّة. بهرب من شي بيطلعلي شي”. هذا هو توصيف عبير خشاب، الأم لولدين، لرحلة نضالها ضد ظلم المحكمة الجعفرية، الذي ارتقى في حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان، لمستوى “الجريمة” وفق تعبيرها، “فكان القصف الذي يحيط بمنزلنا على تخوم عين الرمانة في محيط الضاحية الجنوبية، حرب إسرائيل علينا، وكان قرار المحكمة الجعفرية بمنعي من حقي بإصدار جوازات السفر، حرباً ثانية مارسها “أولو القربى” علينا”.

 

 

عيد الأمهات يأتي منقوصاً بل مهدّداً كل عام. طالما أن الأمومة نفسها منقوصة لا سيّما لدى الأمّهات في الطائفة الشيعية. فالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يتبع مرجعية السيد علي السيستاني في العراق، الذي يرى وجوب حضانة الأم للصبي لعمر السنتين فقط وللفتاة لعمر 7 سنوات، ولو أنه يترك الباب للاجتهاد.

 

 

لكن باب الاجتهاد مقفل بقرار من غالبية قضاة المحاكم الجعفرية، التي تتلطّى أحكامها بـ “الشريعة”، لكنها تستمدّ ظلمها النساء من نظام أبوي ذكوري وأحزاب مسيطرة تأبى إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية، يحرّر النساء من فساد المحاكم الروحية وتحكّمها بمصير الأمومة والطفولة.

 

 

“الفساد داخل العمامات”، هذا الشعار هو غيض من فيض حرقة الأم على ابنها في المحاكم الجعفرية. فالنساء يتعرّضن للابتزاز من شيوخ وقضاة لقاء دفع أموال لزيادة ساعات مشاهدة أبنائهنّ، أو الحصول على حقهنّ بالطلاق. لكن لم تكن عبير لتتوقع أن المحكمة الجعفرية قد تهدر روحَيْ ولدَيْها “بشحطة قلم”

 

 

تضيف عبير “على الرغم من استحصالي على حقّي بحضانة ولديّ بقرار من محكمة الأحداث، كانت “الولاية الجبرية للأب” ومنع السفر الذي وضعه بحق ابنيه، عائقاً ومانعاً ضد إصدار جوازي سفر لهما، وكان تعنّت القاضي موسى سموري على الرغم من أنني – ترجّيته يحط الجوازات عنده وما بستعملن إلا بحالة طوارئ – إجراماً من نوع آخر، جعلني أدرك كم هي رخيصة أرواحنا لدى المحكمة الجعفرية”.

 

“لا أستطيع وصف شعوري كأم، عاشت لحظات الرعب و “هستيريا المسؤولية” على ولديّ خلال الحرب، دون سند إلّا الله. وحدها القدرة الإلهية أنقذت ولديّ، شعرتُ حرفياً في الحرب الإسرائيلية أن المحكمة الجعفرية تجاوزت فعل التواطؤ، لتصبح شريكة في الحرب علينا. فأنا كمواطنة لبنانية مع ولديّ مسؤولون من الدولة اللبنانية بكل سلطاتها القضائية والأمنية وغيرها، وكانت أرواحنا رخيصة، لأننا لم نكن لنموت على الجبهة في الحرب، بل كمدنيين في منازلهم إن لم يموتوا من الصواريخ، فمن أصواتها”.

 

“عزت عليي الدني”، تقول خشاب، “فالقضاة بظلمهم، كادوا يتسببون في أذية وضرر لولديّ. لكن أكثر ما حرق قلبي، أن الشيخ موسى سموري نفسه المسؤول عن القضية، الذي رفض إصدار جوازين لولديّ، كان متغيباً أسبوعاً عن المحكمة، لأنه مشغول بتحضير جوازات سفر لأبنائه الذين سفّرهم خارج البلاد، فقد حمى أولاده، ومنعني من حماية ولديّ، وكان يمكن أن يكون هو وغيره من قضاة المحكمة الجعفرية سبباً في موت أطفال أو أمهات بشحطة قلم، وبدون وجه حق وأسأل: هل من توصيف لفعل كهذا سوى كلمة “جريمة”؟.

 

المحاكم المدنية: إكسير الحياة للأمّهات

 

حكم المحكمة الجعفرية قضى منذ أعوام ليس بخسارة الأم عبير خشاب الحضانة وحسب، بل بتسفير الولدين إلى الخارج حيث إقامة أبيهما السفير المحسوب على “حركة أمل”، “لشأنية والدهما الاجتماعية والمرموقة التي سترتدّ إيجاباً على الولدين” وفق قرار القاضي سموري. علماً أن الوالد “المرموق” المحسوب على “أمل”، أدين منذ فترة بقضية اختلاس من سفارة لبنان في قطر. ورمزية هذه القضية، أنها تكشف حجم النفوذ السياسي الذي يمارسه الرجل في المحكمة الجعفرية، لانتزاع ليس الحضانة فقط وفق قاعدة 7 سنوات للفتاة، بل أيضاً للتحايل.

 

فقد تجرأ القاضي صاحب الحكم على التحايل في قراره، باحتساب عمر الفتاة التي لم تكن بلغت 7 سنوات في حينه، وفق الأعوام الهجرية (علماً أنه حتى وفقاً لتلك الحسبة لم تكن تجاوزت عمر السابعة).

 

ولم يقف القاضي عند هذا الحدّ وحسب، بل حرم عبير من حق مشاهدة ولديها بقرار تسفيرهما للخارج مع أبيهما، حيث يمكثان مع الخدم في ظل تغيّبه لدواعي العمل، لولا قرار مدني من محكمة الأحداث، غيّر مجرى القضية، وأعطى الحضانة للوالدة، ليعيد إليها وفق تعبيرها “إكسير الحياة”.

 

قوة قانون حماية الأحداث رقم 422/2002 أنه واسع وشامل تحديداً في المادة 25 منه حيث “يتحرك تلقائياً من دون شكوى أو إخبار ليتخذ التدبير الملائم بحق أي حدث معرض للخطر”. فمن صلب مهام قاضي الأحداث أنه “يسعى لتأمين مصالح الحدث الفضلى”.

 

“أقفلت كل الأبواب… ولادي رح ياخدوهن ويسفروهن وإخسرهن… محكمة الأحداث والقاضي المنفرد الجزائي، قاضي الحماية الريسة فاطمة ماجد، أخذت حكماً منحني حياة جديدة”. يقولون لكِ في قضاء الأحداث “إنت ما رح تموتي”، والموت هنا هو سلخ الأولاد من أحضان أمّهاتهم، لأننا كقضاء مدني موجودون ونحمي الحدث، ومصلحته الفضلى هي أولويتنا. وشكل قرار القضاء المدني، بعد تعسف المحكمة الجعفرية، دواء سحرياً حمى حقي بالأمومة مع إبقاء طفليّ في حضني”.

 

محكمة الأحداث باتت ملجأ للعديد من الأمهات، اللواتي يشبّهن أحكام المحكمة الجعفرية لا سيّما الطلاق والحضانة، بالعنف المفرط على النساء، فيما باتت قرارات محاكم الأحداث لديهنّ هي “الشمعة في المكان المظلم في القضاء”.

 

ندى جوني: إختي ما ماتت “قضاء وقدر”

 

ما زالت قضية نادين ماجدة جوني، التي رفعت الصوت بوجه ظلم المحكمة الجعفرية، في الأذهان إلى اليوم، كقضية نضال تستلهم منها الأمّهات قوتهنّ.

 

 

 

نادين التي ماتت في حادثة مأسوية، ترجّح أختها ندى جوني “فرضية القتل العمد، فهي كانت تتلقى تهديدات، وكان أكثر ما يغضب الأحزاب منها هو حملة رفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية، بل وصل الأمر بمقايضتها على حضانة ابنها، بإطفاء شرارة الحملة “وضبضبة الشارع”، وهو ما لم تقبله نادين، لأنها كانت تعتبر أن الظلم الواقع على امرأة واحدة، إنما هو ظلم واقع على كل النساء”.

 

وتسأل “لما يصيرو يبعتو عملاء في حزب اللّه وبيحكو بالوطنية بعزاء إختي شو بتتسمى؟”، “لما ينمنع ينقام مجلس عزا عن روح إختي هيدا شو بيتسمى؟ لما تتدخل الأحزاب وضمنن حزب اللّه، ويجنوا بس يعرفو إنو الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة عندا كلمة بعزاء إختي، ويعترضوا ويحاولوا يمنعوا، شو بيتسمى هيدا؟؟”.

 

“من وقت ماتت إختي وإمي وأنا شاطبة عيد الأم من الروزنامة”. تقول ندى بحرقة، مضيفة “التيتم بخسارة الإم ما إلو عمر، وما في شي بيعوضه”، فكيف كان شعور نادين إختي التي ماتت بحرقة قلبها على ابنها بسبب المحاكم الجعفرية التي تبرر أحكامها بعبارة “هذا شرع الله”؟ مع العلم أنه لا يوجد أي آية قرآنية تتحدث عن حرمان الأم من الطفل/ة، على عكس أحكام المحكمة الجعفرية، وأغلب رجال الدين فيها فاسدون تابعون للأحزاب الحاكمة، وطالما أن هذه الأحزاب موجودة مع زعمائها طالما أن الفساد سيبقى محمياً ومستمراً ويحرم الأم من ابنها بشحطة قلم.

 

انطفاء ثورة نادين… و “إطفاء” قانون الأحوال الشخصية

 

نادين جوني بانتفاضتها لأجل الحق أزعجت السلطتين الدينية والحزبية، وموتها أطفأ وهج صوت المرأة الشيعية في الشارع، بدلالة وقف نشاطات الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية بالكامل اليوم.

 

في السياق، تقول شقيقة نادين، “مش بس كرم تيتم، كلنا تيتمنا بموت نادين، كصوت حر للمرأة وأيقونة للكفاح والنضال للحقوق المسلوبة، وملجأ لفتيات كثيرات خاطرَتْ بنفسها لحمايتهنّ”.

 

وفي لبنان هناك 15 قانون أحوال شخصية لـ 18 طائفة. وهذه القوانين لا تميز ضد النساء لصالح الرجال وحسب، بل تميّز أيضاً بين النساء أنفسهنّ، وفق طوائفهنّ. وهذا الظلم معمم على جميع النساء، لكن بدرجات متفاوتة.

 

ولأن النفوذ السياسي هو “السم الحقيقي” الذي تتغذى عليه المحاكم الروحية، يصبح إقرار مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد هو المخرج الوحيد لإنصاف الأمومة، علماً أنه لم يحظ بموافقة الثنائي الشيعي، ولم يحظ بتوقيع أي من النواب السنة المحسوبين على تيار المستقبل.

 

ويبقى التحدي الأهم للكتل التي تجاهر بتأييدها مشروع القانون: هل تضغط لإقراره وفق العملية الديمقراطية، على غرار قانون العنف الأسري إن كانت جدية بمساعيها للمساواة بين النساء اللبنانيات أولاً، وتكريس دولة المواطنة ثانياً؟