بين بعلبك والهرمل ذات الغالبيّة الشيعية، تشكّل بلدة القاع استثناءً، وبما أنّه من غير الممكن إزالتُها من جغرافيتها المزعجة ربما للبعض، يَجري العمل على تقليم أظافر «الأقوياء» فيها… هذا بحسب بعض أبناء القاع وجوارها المتابعين للأحداث الأخيرة.
في وقتٍ يقول البعض إنّ رئيس البلدية «الفذّ» بشير مطر غير مرغوب فيه من بعض الاطراف النافذة ومن بعض المسؤولين الحزبيين في البقاع الشمالي لأسباب عدة، أهمّها أنّه «إنسان عنيد وليس سطحياً ويتمتّع بذكاء ظاهر ولأنه «قواتي»»، تقرأ مصادر متابعة للدعوى المقامة بحقّه ومعه 18 شاباً من أهل البلدة رسالةً للقول «للريّس» إنّنا قادرون على ضبط وضعكم في القاع، وللقول لأبناء القاع انّ القرار ليس بأيديكم، ولإفهامهم أنّ النزول بسلاحكم الى الساحة عندما يداهمكم الخطر لم يعد مسموحاً به حتى لو تذرّعتم بأنّ «الدواعش» يطرقون أبوابَكم.
وترى المصادر أنّ محاولة التضييق على رئيس البلدية والشباب يَهدف إلى إعادة إرساء «الذمّية السياسية» من خلال التذكير بها وتثبيتها في أرض القاع. وهذا لا يعني بالضرورة أنّهم يريدون إلغاءَها بل الإبقاء عليها شرط أن تبقى في حمايتهم.
من جهة أخرى، تعتبر المصادر أنّ حزب «القوات اللبنانية» فوجئ بقضية القاع في الوقت غير المناسب رغم بداية مرحلة ما يسمّى «الحالة الإيجابية» بين «القوات» و»حزب الله»، وتلفت الى أنّ المتابعين يعتبرون أنّ التكتيك السياسي قبل الاتفاقات يبدأ عادةً بعد «الكف الأول» وذلك تمهيداً للمفاوضات.
بالعودة إلى موقع القاع الجغرافي، تصرّ المصادر على أنّ القاع لن ترتاح إذا لم ترضخ لواقع الحال والواقع السياسي القائم بسبب موقعها المزعج جغرافياً. فهي هوجمَت عامَي 58 و 76، وعام 1978 هاجَمها السوريون وتحديداً المقدّم علي ديب قائد وحدات القوات الخاصة السورية. وتمّ وقتَها اعتقال 16 شاباً ليلاً من منازلهم من دون حياء أو خوف او تردّد، كما تمّ اقتياد 26 شاباً من الفاكهة وبعلبك وأعدِموا على طريق البزالية (الهرمل).
هكذا تقول الوثائق التي استحصَل عليها بعض المؤرّخين من قوى الامن الداخلي وهي اليوم في إطار التوثيق في كتاب لم ينشَر بعد وهو في طور الإعداد، ما يعني أنّ موقع القاع الجغرافي عبر التاريخ شكّل ثغرةً وكان عرضةً للاعتداءات والاعتقالات والتصفيات في الماضي وبمساعدة بعض الأحزاب مِثل الحزب القومي السوري الذي ساهَم في تلك الأيام بلعب دور المخبر عبر تسريب أسماء الشباب المطلوب توقيفُهم، فساعد وحدات القوات السورية على توقيف البعض من شباب الكتائب أو «الأحرار» لتصفيتهم.
وتذكر تلك الوثائق أنّ محاصرة القاع بدأت منذ العام 1958 وقد قضِم مِن أراضيها منذ العام 1975 حتى اليوم مساحة 80 مليون متر مربّع، بعدما اغتُصبت من قبل الطرفين: أهل المتن (الشيعة) وأهل عرسال (السنّة)، أي بموازاة 4 أضعاف من مساحة بيروت، علماً أنّ مساحة بيروت العقارية تحدّد بـ 18 مليون م2، فيما الدولة نائمة.
رئيس بلدية القاع بشير مطر يوضح لـ«الجمهورية» مجريات الدعوى المقامة، لا سيما بعد الحملة التضامنية معه ومع الشباب على مواقع التواصل الإجتماعي، وبعد الإتصالات التي تلقّاها من معظم الشخصيات المسيحية، وهو لم يستبعد ان تكون المسألة عبارة عن رسالة موجّهة له، لكنّه يؤكد أنه في حال كانت الدعوى بحت شخصية أو رسائل سياسية فهي لن تمرّ.
ويكشف ان «أموراً عدة حصلت لقصقصةِ جناح البلدية والحدّ من اندفاعها وتطويعها لتصبح لقمةً سائغة وتدخل في لعبة مخططات مشاريع القاع، لكنّه واجهها»، لافتاً إلى أنه لا يدّعي البطولات ولا يطالب بغير حقوق اهل بلدته. ويقول: «لجأنا إلى القانون وإلى القضاء منذ سنوات، وما من مرّة استجيبت طلباتنا، فلم تُقمع مخالفة يوماً إلّا نادراً، ولم يُوقف بناءٌ مخالف على أرضنا، كما لم توقَف التعديات على ارضنا ومياهنا».
ويشير الى أنّ «الشخص المدعي الذي اشتكى علينا اقام دعوى مباشرة على 19 شاباً من القاع، وأنا منهم، امام قاضي التحقيق في القاع الرئيس عماد الزين. وهو لم يدّعِ علينا لإزالتنا مخالفةً بصفتنا البلدية أو ما شابه!».
ويكشف مطر عن ثلاثة محاضر سُطّرت بحق المدّعي أحمد الدغيبي في مخفر القاع بسبب تهريبه الترابة ومواد البناء. إلّا أنّ الدغيبي ادّعى على الشباب الـ19 بوصفهم مجموعة مسلحة تمارس عمليات سطو مسلّح وبأنهم شتَموا النبي محمد والعزة الإلهية، الأمر الذي ينفيه مطر نفياً قاطعاً.
ويلفت مطر الى أنّ جلسة الأمس كانت الجلسة الثانية وليست الاولى. وهي لم تعقَد بسبب الطقس العاصف، فلم يتمكّن أحد من الوصول بمن فيهم القاضي.
وعن العملية برمّتها، يوضح مطر انّ المدّعي افتعلها لأنه يريد المتاجرة بأرضنا عبر بيعها وتقاسُم الحصص، ولا يمكننا الاستمرار بالسماح لأيّ كان بالبناء متى شاء وكأنّ القاع سائبة، مع العِلم انّ الدغيبي يحتلّ أراضيَ تَملكها الجمهورية اللبنانية».
وعمّا إذا كان الامر يحمل رسالة سياسية في خفاياه، يؤكّد مطر «انّنا لن نقبل أن نعيش ذمّيين مع احد، ولا اعتقد أنّ أحداً قادر على جعلنا أبناء ذمّة، ولن نقبل أن يعتدي احد على لبنان وعلى ارضه وعلينا، لا عبرَ انتحاريّين ولا عبر ايّ مسوّغات اخرى، وسندافع عن ارضنا وعن كلّ الاراضي اللبنانية».
ويشدّد على أنه لا يعتقد انّ ايّ طرف، سواء كان ينتمي الى «حزب الله» او غيره، من مصلحته ان تتحوّل مشاريع القاع الى مخيّمات شبيهة بمخيمات نهر البارد أو عين الحلوة، وهذا ما سنَمنعه، لافتاً الى انّ الدغيبي يستقوي بنفوذه الشخصي، وهو ضالع في نقلِ البارودة من كتف الى اخرى وتبييض وجهٍ مع النافذين.
ويشير مطر إلى أنه ذهب الى المخفر بصفته محامياً ووكيلاً عن الشباب، ففوجئ بأنه مدّعى عليه. ومن المفترض، كونه محامياً ورئيس بلدية ايضاً، أن يتمّ رفعُ الحصانة عنه قبل البدء بأيّ استجوابات، فتوقّفت الدعوى عند هذا الحد في انتظار استكمال الإجراءات، علماً أنّ الدعوى رفِعت قبل تشكيل الحكومة الجديدة، معتبراً أنّ «الدفاع عن قانون الوجود أهمّ من القوانين التي وضعها بعض البشر».
وأراد مطر توجيه رسالة الى الجميع عبر «الجمهورية»، فقال: «إذا نحن كأهلِ القاع غادرنا ورضَخنا للتخويف والتهويل الممنهَج الذي يمارَس علينا منذ سنين فمن سيَملأ مكاننا»؟
ويضيف: «إذا أرادوا ضعفاء، فنحن لا نضعف، ومشروعي الوحيد في البلدية «أرضي هويتي» ولستُ سائلاً على الباقي ولا يهمّني أمر آخر. فنحن اهل كرامة، وكرامتُنا قبل كلّ الناس، نحن قوم سننام مرتاحي الضمير لأننا سنقول يوماً إنّنا لم نسكت ولم نستكِن ولم نخَف، وليحصل ما يحصل، فالله معنا».
القضية حسب معلومات مطر لم تصل بعد الى أروقة البطريركية المارونية، كاشفاً أنّهم ينتظرون التحقيق وأنّ كلّ خطوة ستقابَل بخطوة منهم، علماً أنّهم لم يتبلغوا حتى اليوم بتاريخ موعد الجلسة المقبلة.
ويؤكّد «أننا نحمي ارضَنا وكرامتنا والعيش المشترك والتنوّع والدستور والقوانين، نحن نحمي مشروع ضمّ وفرزِ كلّفَ الدولة كثيراً، ولا يمكن السماح لبعض الاشخاص الذين لديهم مصالح أو غايات مشبوهة بتغيير هوية الارض. الهوية واضحة، لبنانية قاعيّة، ولن نسمح لأحد بتغييرها، فالجميع يريد زرعَها والعمل فيها، وهذا حقّ للجميع إنّما ليس مسموحاً لأحد إنشاء قرى جديدة على أرضنا ونقطة على السطر».