جاء العشاء الذي شهدته دارة السفير السعودي ، وما رافقه من رسائل على هامشه بمثابة محطة لرمزية اضافية من شأنها ان تؤشر الى الواقع المتجه على ما يبدو نحو مزيد من التازيم في ظل تصاعد سياسة العصا والجزرة التي تتبعها الاطراف في مقاربتها لكل المشاكل والازمات في «تقية سياسية» لم تشهدها الحياة السياسية اللبنانية سابقا، وسط غياب اي مسلك قريب للخروج من ازمة الفراغ الرئاسي التي اطفأت شمعتها الثانية وتنتظر الثالثة في حال استمرت الامور على هذا الشكل .
على أي حال، تلفت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع الى ان حركة المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ منذ مطلع العام بين العواصم المؤثرة في الوضع اللبناني، نابعة من مخاوف على الوضع الامني اللبناني، حيث تخشى، على رغم كل الحرص الذي يبديه الروس والاميركيون على الاستقرار اللبناني، دخول جهات متضررة على خط تعثرات المنطقة، الى الملعب اللبناني لتوتيره أو حتى تفجيره، خدمة لمصالحها.
من هنا تشديد الاتصالات الدولية الجارية حاليا على ضرورة التنبه الى هذه السيناريوهات وقطع الطريق عليها بما يعزّز قوة ومناعة البلد لمواجهة اي مخططات خبيثة قد ترسم له، بحسب المصادر نفسها، التي كشفت ان المشاورات الجارية حاليا بين العواصم الاقليمية والدولية، هدفها الفعلي اقناع الاطراف بضرورة فصل الملف اللبناني عن مسار الازمة السورية، خاصة بعد ان باتت الاخيرة متشعبة وأُدخلت على خط المفاوضات الجارية حولها، جملة ملفات معقدة، ليس اقلها محاولة موسكو وبعد امساكها باللعبة السورية نديا مع واشنطن، استخدام هذه الورقة للضغط على الدول الاوروبية التي تستعجل الحل السوري لوضع حد لموجات النزوح الى شواطئها، لانتزاع مكاسب في الملف الاوكراني، حتى ان بعض المراقبين يذهبون الى حد وضع معادلة تقول ان الحل في سوريا ولبنان بات مربوطا بالحل في اوكرانيا.
استنادا الى ذلك لا تبدو المصادر متفائلة بامكانية تدخل روسيا لدى طهران للافراج عن الرئاسة اللبنانية قبل حلحلة الملف الاوكراني. كما ان الولايات المتحدة حسب الاوساط، غير مستعجلة الحل بل تتعاطى مع الملف بتأنّ ورويّة، ذلك انها ليست في وارد التدخل لصالح موسكو في اوكرانيا، كما انها ليست في وارد الاعتراف بدور لايران في التسوية الكبرى المنتظرة في المنطقة ولذا لن تطلب منها تسهيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية.
عليه ، فان اطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الاخيرة ، التي أكدت المؤكد لناحية مضيّ «الحزب» قدما في قرار القتال في سوريا وانخراطه اكثر في الصراع الاقليمي الدولي، تندرج تحت هذه العناوين.
من جهتها اشارت اوساط سياسية الى ان كلام أمين عام «حزب الله» تزامن أيضا مع معطيات غير مشجعة بدأت تتجمّع في أفق الازمة السورية،من مصير محادثات جنيف الغامض وعجز القوى الدولية عن اعادة طرفَيها الى الطاولة، الى أعلان وزير الدفاع الروسي ان موسكو اقترحت على الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بدأ شن غارات جوية مشتركة في سوريا ضد فصائل من المعارضة المسلحة التي لا تلتزم وقف النار ومنها «جبهة النصرة»، في حين نفت واشنطن وجود «اي تعاون أو تنسيق مع الروس في شأن أي عمليات في سوريا»، ما يثبت ان التصعيد سيكون سيد الساحة ، وبالتالي، فان «حزب الله» سيعدّ صفوفه للمشاركة في أي جولات قتالية مقبلة، وهذا ما اكد عليه امينه العام، رغم «تهديده النفسي» لاسرائيل في محاولته لارساء قواعد اشتباك جديدة بين الجانبين «خارج مزارع شبعا ايا تكن التبعات».
في ظل هذا المشهد المعقد ،من المستبعد ان يخرج الستاتيكو اللبناني عن الاطار الذي يحكمه، والذي سيكون متسما باضرار واسعة اضافية خلال اشهر الصيف المقبلة، حيث تبدأ الازمات الاجتماعية والاقتصادية تشكل نقطة الضعف الخطيرة المتصاعدة التي ستحاصر الجميع وسط عجز داخلي عن كسر اي من حلقات الدائرة المفرغة الكبيرة التي تدور فيها البلاد.