Site icon IMLebanon

قب الياس: تحريض طائفي يرافق التنافس على الرئاسة

في وقت بات محسوماً أنّ بلدة قب الياس في البقاع الأوسط ستذهب في 8 أيار إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس وأعضاء مجلس بلديتها، بعدما فشلت محاولات التوافق، إلّا أنّ هناك إشكالية يُخشى من ارتداداتها السلبية على العيش المشترك بين أبناء هذه البلدة، وهي بروز البعد الطائفي في المواجهة الانتخابية، خصوصاً بعد تنافس مرشحَين، مسلم ومسيحي، على موقع رئاسة البلدية.

للتعايش السنّي- المسيحي (موارنة وأرثوذكس وكاثوليك) في قب الياس تاريخ طويل، وقد شهد تقلبات ديموغرافية. فبعدما كان المسيحيون سابقاً يعادلون عددياً المسلمين في البلدة، إلّا أنّ الحرب والتجنيس قلبا الأكثرية لمصلحة السنّة، وهذا ما تظهره جداول الشطب حيث هناك نحو 7 آلاف ناخب سنّي مقابل نحو 4 آلاف ناخب مسيحي، وما يزيد هذه الفجوة الانتخابية بين الطرفين، أنّ نسبة الاقتراع عند السنّة تبلغ نحو الـ55 في المئة بينما يقترع نحو 35 في المئة من المسيحيين فقط.

يتألف المجلس البلدي في قب الياس من 18 عضواً، جرى العرف أن يتقاسمه المسلمون والمسيحيون مناصفة. ويتوزع الاعضاء المسيحيون وفق الآتي: 4 موارنة، 3 ارثوذكس، 2 كاثوليك.

وهناك 36 مرشحاً يتنافسون على هذا المجلس، ينضوون في لائحتين، الأولى برئاسة الرئيس الحالي للبلدية ضرغام توما (مسيحي)، والثانية برئاسة جهاد المعلم (سنّي)، إضافة الى مرشحين منفردَين.

حرصت اللائحتان المذكورتان على المناصفة (9 مرشحين سنّة و9 مسيحيين)، كما حرصتا على تنويع مرشحيهما عائلياً، خصوصاً أنّ الطابع العائلي حاضر بقوّة على مدى المواجهات الانتخابية في هذه البلدة، فهناك أكثر من 100 عائلة في قب الياس، أبرزها إسلامياً: المعلم، الحايك، مرعي، قزعون، الحاراتي، حاطوم، غزال، شكر. ومن العائلات المسيحية: بدر، شنتيري، صياح، صبات، لبوس، توما، شويري، عازار، ليون وكفوري.

تعاقب على رئاسة بلدية قب الياس منذ بدايات القرن الماضي رؤساء مسلمون من آل قزعون، ورؤساء مسيحيون من آل حنوش والحداد والقرداحي، ثمّ حصلت في الستينيات مقايضة، تخلّى فيها آل قزعون عن رئاسة البلدية لمصلحة آل الدبس، لقاء انضمام رفعت قزعون إلى لائحة الوزير الراحل جوزف سكاف ودخوله الندوة النيابية.

لكن مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، انقطع رئيس البلدية المسيحي عن مهامه بعد إقامته في بيروت، لينوب عنه حسن خالد حتى العام 1998، وفي الدورات الانتخابية 1998 و2004 و2010، كان الفوز في رئاسة البلدية من نصيب رئيس سنّي في حين كان نائب الرئيس مسيحياً.

ينظر البعض من الطائفة السنّية إلى نتائج الدورات الانتخابية الثلاث الأخيرة، على أنها أسّست عرفاً ينسجم مع الحقائق الديموغرافية في قب الياس التي تميل بشكل راجح للمسلمين، ويجعل رئاسة البلدية للسنّة ونيابة الرئاسة للمسيحيين.

في حين أنّ البعض الآخر يخالف هذه النظرة، وينكر وجود مثل هذا العرف، ويعتبر أنه في الدورات الثلاث المذكورة كان هناك ترشيح مسيحي للرئاسة، والرئيس الحالي للبلدية ضرغام توما هو مسيحي وتمّ انتخابه بعد شغور موقع رئيس البلدية بوفاة فياض حيدر.

رئيس لائحة قب الياس وادي الدلم جهاد المعلم يقول لـ«الجمهورية»: «عام 1998، كان هناك مرشحان لرئاسة البلدية، الأول مسيحي والآخر مسلم، وحصلت تسوية برعاية الشهيد الرئيس رفيق الحريري جرى الاتفاق بموجبها على أن يكون الرئيس مسلماً ونائب الرئيس مسيحياً». ويضيف: «كذلك في دورة انتخابات 2004 ترشح الى الرئاسة مسلمان، ولم يكن هناك ترشيح مسيحي، وعام 2010 تكرر الأمر».

وإذ يشدّد المعلم على ضرورة أن تبقى رئاسة البلدية للمسلمين، يحذّر من أن يؤدّي القفز على العرف المعمول به حالياً في البلدية إلى ضرب مبدأ المناصفة في عضوية المجلس البلدي، والأخذ بمبدأ الأكثرية العددية، خلافاً لقول «الرئيس الشهيد الحريري وقفنا العد».

من جهته، ينفي رئيس اللائحة المنافسة ضرغام توما أن يصبغ ترشيحه بصبغة طائفية، ويؤكد لـ«الجمهورية»: «لست مرشح طائفة، ولست مرشحاً مسيحياً على مقعد سنّي، أنا مرشح مشروع، ومرشح قب الياس، وقد تناوب على رئاسة البلدية تاريخياً مسيحيون ومسلمون، واحتكم إلى قناعات الناس في بلدتي». ويضيف: «عندما توفي رئيس البلدية العام 2014، كنت نائباً للرئيس، لكن لم أتسلّم الرئاسة بهذه الصفة، إنما انتخبت رئيساً من أعضاء المجلس، ولم يحتجّ أحد بإسم العرف».

لا يعتبر المعلم أنّ انتخاب ضرغام توما عام 2014 رئيساً للبلدية قد كسر العرف، ويقول: «لقد تمّ انتخابه حينذاك، لإكمال الولاية بعد شغور موقع الرئيس بوفاة رئيس البلدية (السنّي) فياض حيدر، وتمّ هذا الانتخاب بتزكية من فريق سياسي ومنعاً للفوضى».

تثير هذه القضية خلف الأبواب المغلقة في قب الياس، تعليقات طائفية بغيضة، يتم تناقلها لتقوية العصب الانتخابي للائحتين، لكنها لم تتحوّل إلى شعارات انتخابية أو خطب على المنابر، فهناك مساع من الطرفين لتبقى التعبئة الطائفية تحت سقف التهدئة والحفاظ على أمن البلدة.

ما يخفف من هذه الحدة الطائفية، وجود مرشحين ينتمون لتيار «المستقبل» الذي يعتبر القوة السياسية الأكبر في قب الياس، في اللائحتين، وكذلك رفض «المستقبل» إعطاء أيّ عناوين طائفية للمعركة الانتخابية، ويؤكد منسق التيار في البقاع الأوسط أيوب قزعون رفضه الخطاب الطائفي، ويقول: «نحن تيار وطني، ونؤمن بالمواطنة والكفاءة، وندعو الناس الى التصويت لمَن يرونه كفوءاُ ومَن لديه البرنامج الإنمائي الأفضل».

لا يعتبر قزعون أنّ ترشيح مسيحي لرئاسة بلدية قب الياس كسرٌ لأعراف انتخابية، ويؤكد لـ»الجمهورية» أنّ «هذه وجهات نظر تمثل أفراداً، ولسنا مع وجهات النظر تلك، لدينا برنامج وطني بعيد كلّ البعد عن التسميات الطائفية، ونُحبّذ مَن يأتي بالكفاءة».

مع هذا، لا يختصر البعدان الطائفي والعائلي معركة قب الياس، إذ هناك أبعاد سياسية. فالبلدة تضمّ أحزاباً أخرى غير «المستقبل»، منها «التيار الوطني الحر» و«القوات» و«المردة» و«القومي» والناصريين (الاتحاد والشعبي)، كما لا يغيب التنافس الإنمائي، فكلا المرشحين له تاريخه في الشأن العام وله رؤية وأفكار ومشاريع لتطوير البلدة وتحسين الخدمات فيها.

فضرغام، إضافة الى كونه رئيس بلدية قب الياس، هو مهندس كيميائي وعالم تغذية وحاصل على ماجستير بصناعة المأكولات، أما المعلم الذي ترشح أكثر من مرة لرئاسة البلدية، فهو رئيس اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في البقاع وعضو مجلس إدارة الضمان الاجتماعي.