كشف الهجوم العنيف الذي شنّه النائب محمد كبارة، على مدار يومين متتاليين، ضد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على خلفية أحداث سجن رومية، ومسارعة النواب فريد مكاري وهادي حبيش وأحمد فتفت للرد عليه دفاعا عن المشنوق، مدى الارتباك السياسي الذي يتخبط فيه «تيار المستقبل».
لكن أكثر ما لفت الانتباه هو بيان رئيس «كتلة المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، أمس، الذي رد على كبارة مشيراً إلى أن مواقفه «لا علاقة لتيار المستقبل بها ولا تعبر عن رأي الكتلة لا من قريب ولا من بعيد». وأكد السنيورة أن «الوزير نهاد المشنوق يمثل تيار المستقبل في الحكومة، وهو يمارس مسؤولياته في ضوء هذا التمثيل، ويحظى بثقة الكتلة ودعم الرئيس سعد الحريري، سواء بالنسبة للإجراءات التي هي محل اعتراض النائب كبارة، أو فيما خص السياسة العامة المعتمدة في وزارة الداخلية».
وترك الهجوم الذي شنّه النائب كبارة على المشنوق، ومن قبله الوزير ريفي الذي رفض ممارسات وزير الداخلية في سجن رومية، تساؤلات عدة لجهة: هل يغرد الرجلان خارج «السرب الأزرق» أم أن في الأمر تبادل أدوار؟ وماذا سيكون موقف الرئيس سعد الحريري من هذا الصراع؟ وهل سيتم، بعد بيان السنيورة، اتخاذ قرارات على غرار القرار الذي اتخذ بحق النائب خالد الضاهر؟ علماً أن الضاهر دخل على خط هذا الخلاف موجهاً، عبر «تويتر»، كلاماً غير لائق الى النائب هادي حبيش، محذرا إياه من التعرض للنائب كبارة.. فرد حبيش بأن «الحاج خالد بيمون».
ويأتي هذا الارتباك نتيجة بعض «القرارات الزرقاء» التي تتعارض مع توجهات شريحة واسعة من الشارع السني في لبنان، وبفعل تحوّل «المستقبل» من حاضن لبعض المجموعات المسلحة عندما كان معارضاً لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الى «سجّان» لمسؤوليها وعناصرها عندما عاد الى الحكم وأوقف حمام الدم بين التبانة وجبل محسن.
وإذا كانت القيادات «الزرقاء» قد بررت على مضض لجمهورها الحوار مع «حزب الله» بأنه لحفظ الأمن والاستقرار وعدم إعادة عقارب الساعة الى الوراء، فإنها لا تجد اليوم ما تقوله لأهالي الموقوفين والمتضامنين معهم والذين اعتقلوا في ظل حكومات «المستقبل»، ويستمرون في مواجهة الأمرّين بعد ثماني سنوات، وفي ظل تسلم «المستقبل» لوزارتَي الداخلية والعدل.
كما أدى هذا التخبط الى خروج صراع النفوذ ضمن «التيار الأزرق» الى العلن، وخصوصا بين المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي الذي أوفد ممثلاً عنه للمشاركة في اعتصام أهالي الموقوفين من جهة، وبين نواب الكتلة «الزرقاء» الذين تناقضت مواقفهم في التعامل مع هذه القضية، إما لاحتواء الشارع من خلال ترك هامش للنواب المعترضين، وإما بسبب اختلاف فعلي بينهم.
وكان النائب كبارة قد وصف المشنوق، أمس، بـ «الفاتح الكبير الإسكندر ذي القرنين» وهاجم من أسماهم «أتباعه الذين يروّجون الأكاذيب عن بطولاته حتى كادوا يرشحونه لنيل جائزة نوبل للسلام كونه فتح سجن رومية من دون إراقة نقطة دم». وأحال كبارة هؤلاء الى تقرير مؤسسة «لايف للشؤون الإنسانية» والذي ذكر أن جميع السجناء، من دون استثناء، تعرضوا للضرب وأصيب بعضهم بجروح وكسور تتطلب معالجات سريعة في المستشفيات، فضلا عن إهانات مذهبية.
وقال: ليس صحيحاً أن «الفاتح الكبير» هو الذي أنهى جولات العنف في طرابلس. بل هو قرار كبير أنهى ما كان، أما «الفاتح» فقد باع هذا الإنجاز لأميركا وإيران حالماً بأنه يمكن لهما إيصاله إلى السرايا، متناسيا أن السرايا، ليست «سرايا وفيق صفا» التي يغض النظر عن تمددها في كل لبنان، بل هي مركز الموقع السني الأول في الدولة اللبنانية، ولا يدخلها أحد على دماء أهل طرابلس ودماء أهل السنّة.
وأضاف كبارة: إن التلطي بالرئيس سعد الحريري للزعم بأن «الفاتح الكبير» يمثل خياراته وتطلعاته السياسية، فهذا افتراء عليه. وختم: «نعم، كلهم يعمهون، من ضاحية سيد الجنون إلى وزارات التسلط.. الى حدود الجنون».