توقّفَ أحد السياسيين المخضرَمين عند اللقاء الاخير لرئيس الحكومة تمام سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي.
وسط كلّ الدمار الفعلي، ووسط تهاوي الدولة وشللها لم يبقَ صامداً سوى المؤسسات الامنية، خصوصاً الجيش اللبناني استوقفته النقاط المشتركة الكثيرة بين الرجلين. فهما برأيه يحملان، كلٌّ من موقعه، أعباء جسيمة، ويتحمّلان ضغوطاً يومية متواصلة، ومع ذلك، يعملان بأقل قدر من الضجيج والكلام. يأخذان في صدرهما كلّ تجريح ومحاولة تعطيل أو عرقلة أو تفجير، سواءٌ السياسي منها أو الأمني، ويمرّران «القطوعَ» تلوَ الآخر. لا يحبان الادعاءات، يعتبران أنهما يقومان بواجبهما بما يحفظ لبنان واستقراره. يبحثان عن الايجابيات ويحاولان البناء عليها.
قد تكون بعض الصفات الشخصية المشتركة أحد العوامل التي دفعت رئيس الحكومة منذ فترة الى زيارة اليرزة وتقديم كلّ الدعم للمؤسسة العسكرية وقائدها، في سابقة ملفتة. لكنّ الاكيد أنها ليست الاسباب الوحيدة. فإنّ كلّاً من سلام وقهوجي يريد أقصى ما يمكن أن يقدّمه الآخر. فالمؤسسة العسكرية، التي تحارب على جبهات متعدِّدة، تحتاج الى دعم وغطاء سياسي كاملين من كلّ الطبقة السياسية. والحكومة، تريد الحفاظ على الاستقرار والامن والتصدّي للارهاب، وهو ما لا يمكن أن يحصل إلّا بالجهود الاستثنائية التي تؤمّنها القوى الامنية وفي مقدّمها الجيش اللبناني. فالأمن الممسوك والقوى الامنية المتماسكة هي الانجاز الابرز في هذه المرحلة حيث تترنّح كلّ المؤسسات ويتمّ تفريغها الواحدة تلوَ الاخرى.
وفي هذا الاطار يبرز حرص سلام على إبقاء المؤسسة العسكرية بعيدة من التجاذبات السياسية. وهو يسعى الى التنسيق الدائم مع قهوجي والبحث في حاجيات الجيش ومتطلّباته، والدفع من أجل تلبيتها قدر استطاعته. فالاوضاع السياسية تخضع لحسابات السياسيين الضيقة، وهو ما يتجلّى واضحاً في الابتزاز المتواصل الذي يمارسه النائب العماد ميشال عون. فيقوم بعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية أو عقد جلسة منتجة لمجلس الوزراء أو فتح دورة لمجلس النواب. وها هو يخوض مجدَّداً معركة طواحين الهواء فيواصل التعطيل ورمي المسؤوليات على الآخرين تهرّباً من تحمّل مسؤولياته بالنزول الى مجلس النواب وانتخاب رئيس. فيهدّد «اوعا حدا يتخطّى الدستور أو حقوقنا»، متناسياً انه هو مَن خرق كلّ روحية للدستور وانتهك حقوق جميع اللبنانيين بأن يكون لهم رئيس منتخب بطريقة شرعية وديموقراطية. أما كلامه عن مبدأ الشراكة فيدعو الى التعجب والسؤال. أيّ شراكة يتحدّث عنها وهو يعطل بلداً يعيش وسط العاصفة وشعاره إما أن أكون رئيساً أو لا يكون بلد. أيّ شراكة وهو يشنّ حملة على الجيش الذي يخوض اليوم أقسى المعارك دفاعاً عن لبنان وشعبه.
فوسط كلّ الدمار الفعلي من حولنا، ووسط تهاوي وشلل الدولة لم يبقَ صامداً سوى المؤسسات الأمنية، خصوصاً المؤسسة الأم، أيْ الجيش اللبناني. لذا يحرص الرئيس سلام، وللإنصاف، معظم الطبقة السياسية، على الحفاظ عليه، لأنه الحصن الاخير الذي يمكن الرهان عليه للحفاظ على الدولة والجمهورية، وإعادة بنائهما وتحصينهما، بعد أن يعود بعض السياسيين عن مغامراتهم القاتلة.