لم يستفد أحد من المرشحين إلى رئاسة الجمهورية من التوتر العونيّ – المرديّ أكثر من قائد الجيش العماد جان قهوجي، فقد شغل الترشيح الحريري للنائب سليمان فرنجية أنظار العونيين أخيراً عن قهوجي والشامبانيا وقوالب الحلوى و… شبكات الانترنت غير الشرعي.
ويروي أعضاء لجنة الاتصالات الكثير في هذا السياق عن مقاطعة النواب العونيين أكثر من مرة لوزير الاتصالات بطرس حرب أثناء حديثه عن تعدد المسؤوليات في هذا الملف، مصوبين على رئيس هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف وحده. مع العلم أن هوائيات الإرسال والصحون الضخمة ركبت في نقاط استراتيجية ذات طابع عسكري كجبل صنين الذي تعدّه استخبارات الجيش محميتها الخاصة. ولا تقف حدود الخرق للمؤسسة العسكرية هنا، إنما بلغ حد حصول مؤسسة الجيش على الانترنت من باعة الانترنت غير الشرعيين.
وهذا كله كان سيوفر للعونيين وغيرهم مادة قوية لانتقاد قهوجي، إلا أن اللامبالاة كانت السمة الرئيسية، سواء هنا أو في ما يتعلق بالتعيينات الأمنية. ففي ظل تقدم فرنجية باتجاه الرئاسة وتراجع قهوجي، خرج الأخير من شاشة الرادار العونية. إلا أن قهوجي تراجع بحسب أحد المقربين منه لكنه لم يخرج من السباق الرئاسي. وهو يستفيد من الأضواء المسلطة على فرنجية ليعالج الخلل الذي اعترى حركته سابقاً. وتشير المعلومات إلى تجنبه بشكل كامل الأماكن العامة في لقاءاته الشخصية، متحاشياً أيضاً رجال الأعمال الذين يلتصقون برجال العهود لتحقيق مصالحهم. مع العلم أن بعض هؤلاء بادروا بأنفسهم إلى نقل البندقية من الكتف القهوجيّة إلى الكتف المرديّة الجديدة، فيما يتخبط بعض آخر بمشاكل مالية كبيرة مع المصارف يرفض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التدخل لحلها. وتراجع عدد أصدقاء قهوجي الذين يتداولون بصورهم مع «القائد» على صفحات التواصل الاجتماعي. ومن الخاص إلى العام، يحافظ قهوجي بحسب أحد المقربين منه على علاقة وطيدة بأربع قوى رئيسية هي تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل والبطريركية المارونية، فيما يستوعب «الهجومَ الجنبلاطي»، ويحاول الاستفادة من الهدنة مع العماد ميشال عون لتحقيق اختراق في علاقته معه. أما الانجاز الأهم لقهوجي في انتظار عودته إلى الأضواء الرئاسية، فهو تعيين مدير مكتبه كميل ضاهر مديراً للاستخبارات. فحملة قائد الجيش الرئاسية تتكل تاريخياً على مديرية الاستخبارات، إلا أن مدير الاستخبارات السابق لم يكن متحمساً لقهوجي ما حال دون انخراط مديريته جدياً وعلى نحو كامل في حملة قهوجي، إذ اقتصر «النشاط المخابراتي» الداعم لقهوجي على منطقتين أو ثلاث مناطق يدور مسؤولوهم مباشرة في الفلك القهوجيّ. أما اليوم، فالأمر مختلف؛ ضاهر كما يردد الجميع صديق قهوجي قبل أن يكون مدير مكتبه، وبعدما أصبح مديراً للاستخبارات. والأولوية المطلقة بالنسبة إليه هي وصول قهوجي إلى رئاسة الجمهورية، وهو بدأ العمل بحماسة لتحقيقه فور توليه المسؤولية. وتشير المعلومات إلى وضع ضاهر قائمة طويلة بناشطين سياسيين وإعلاميين ومصرفيين ورجال أعمال وضباط متقاعدين يجري الاتصال بهم ولقاؤهم وإعلامهم باتكال القائد عليهم تحضيراً لمرحلة مقبلة، إضافة إلى المتعاونين التقليديين مع استخبارات الجيش ــ من مخاتير ورؤساء مجالس بلدية ومخبرين عاديين ــ الذين تراجع اهتمام المديرية بهم في السنوات القليلة الماضية لمصلحة آخرين ينفعون أكثر في كشف الشبكات الإرهابية.
اللافت أن ثقة قهوجي بحتمية انتخابه رئيساً في نهاية الأمر لا تزال اليوم مطلقة كما كانت منذ ثلاث سنوات. فلا شيء يؤثر في معنويات القائد التي تبقى مرتفعة سواء حين تستقبله السعودية بالترحاب أو حين تمتنع عن دعم «الجيش المرهون لحزب الله»، حين يضرب المجموعات التكفيرية أو حين يغض الطرف عن توسعها شمالاً وجنوباً وبقاعاً، حين يضع عون فيتو على اسمه أو حين يرشح الحريري فرنجية. المعنويات دائماً مرتفعة والانتقال من اليرزة إلى بعبدا مسألة وقت فقط.