رغم الضجيج الذي أثاره النائب وليد جنبلاط ضد الجيش وقيادته، تلتزم الاخيرة الهدوء. يرفض العماد جان قهوجي الرد على جنبلاط. يقول لسائليه: «لن أدخل في سجال معه. ومن يملك دليلاً على فساد في الجيش فليقدّمه». يجزم ضباط قيادة المؤسسة العسكرية بأن الجيش يوقف بصورة دائمة عسكريين وضباطاً.
يعاقب المخطئين، ويحيل على القضاء العسكري من يرتكب جنحة او جناية. «لكننا نفعل ذلك بصمت. إذ ليس لدينا سوى المعنويات للعسكر الذين يقفون في وجه الإرهاب على الحدود». يرفضون العمل بـ»شفافية» في هذا المجال. فتجربة قوى الامن الداخلي كانت بالغة السوء، وأثّرت سلباً على نظرة المواطنين إلى المؤسسة الأمنية.
ما طرحه جنبلاط بشأن الجيش ملفان: الاول، القاعدة البحرية. والثاني، الانترنت غير الشرعي. في الملف الاول، لا تغيير في موقف القيادة: لن نتخلى عن قاعدة بيروت البحرية، لا لسوليدير، ولا لغيرها. يذكّر ضباط رفيعو المستوى بما جرى بين العماد قهوجي واحد كبار مدراء «سوليدير» عام 2009. حينذاك، قصد مدير «سوليدير» قهوجي ليهنّئه بتوليه القيادة، ثم فاتحه بأمر القاعدة البحرية. قال له: هذه القاعدة لنا، بموجب قانون ومرسوم. ونريدها. رد قهوجي: ولماذا تطلبها مني؟ إذهب إلى من منحك اياها وخذها منه. ردّ «السوليديري» بالقول: إذا لم نحصل عليها بالحسنى، فسنحصل عليها عبر القضاء. فقال قهوجي: هذه القاعدة هي للجيش. وإذا أردت، ارفع دعوى ضد من تشاء. يمكنك اخذها بطريقة واحدة، ان تذهب إلى من عيّنني، وتطلب منه أي يعفيني من مهماتي. لأنني سأقطع يدي قبل التوقيع على قرار بالتخلي عن قاعدة بيروت البحرية. واطمئن، حتى لو عينوا ضابطاً غيري، فلن يتخلى عنها احد».
تأسف قيادة الجيش للطب منها التخلي عن القاعدة البحرية من قبل جهات لبنانية، فيما الأتراك زاروها وعرضوا ترميمها كون بعض مبانيها انشئت في العهد العثماني. ويؤكد ضباط القيادة أن أي تغيير لم يطرأ على وضع القاعدة أخيراً. ما جرى في منطقة «المينا» لا علاقة له بالقاعدة البحرية، بل بمرفأ بيروت، إذ أقفلت إحدى بوابات المرفأ، البعيدة عن القاعدة العسكرية.
اما الانترنت غير الشرعي، فأبناء المؤسسة ينفون كل ما أشيع عن وجود شراكة بين احد أبناء قائد الجيش وإحدى الشركات المشتبه فيها. ومجدداً، يرفضون «المساجلة» أو إصدار أي بيان بهذا الشأن: من لديه دليل فليبرزه. كل ما يُحكى عن محطات للانترنت موجود منذ اكثر من 10 سنوات. نحن حصلنا على الانترنت من شركة «VISP» بعدما فازت بمناقصة أجريت قبل وصول العماد قهوجي إلى قيادة الجيش. وهذه الشركة مرخصة من وزارة الاتصالات، ولا شان لنا بعملها. ولجأنا إلى الشركات الخاصة لان «أوجيرو» لم تكن تمنحنا ما نطلبه. وعندما اندلعت فضيحة الانترنت، سارعت الشركة إلى تلبية ما نطلبه». يؤكد احد المسؤولين العسكريين أن قهوجي اتصل بوزير الداخلية نهاد المشنوق مستوضحاً عن اتصال الأخير بالنائب وليد جنبلاط، وما قيل عن أن وزير الداخلية اتهم استخبارات الجيش بمواكبة الشركات التي ركّبت معدات للانترنت غير الشرعي؛ وتقول المصادر العسكرية ان المشنوق قال لقهوجي: «انا لم أسمّ جهازاً بعينه، وكنت أقصد الجمارك، لأن جزءاً من المعدات دخل لبنان بصورة شرعية».
يرفض المسؤولون العسكريون المأذون لهم بالتصريح التعليق على ما يُقال في الصالونات السياسية عن ان هجوم جنبلاط متصل بأمرين: الأول، هي الخدمات التي يتلقاها الوزير السابق وئام وهاب من الجيش اولاً، وعدم استقبال قائد الجيش لأحد أصدقاء رئيس الحزب الاشتراكي، ثانياً. وما يُحكى في هذا المجال، ما ذكره وهاب أمس على شاشة «الجديد»، عن أن جنبلاط طلب من قائد الجيش أن «يرسّب» تلميذ ضابط فاز بالمرتبة الاولى في مباراة اجرتها قيادة الجيش لتطويع ضباط إداريين، وصدف ان هذا الفائز بالمباراة من عائلة تؤيد وهاب.
القضية الثالثة التي أثارها جنبلاط في مقابلته الاخيرة على «أل بي سي»، هي الصفقات، أي صفقات التسليح. يرد المعنيون في الجيش بأن المؤسسة العسكرية لم تُنفق على شراء الذخائر منذ العام 2009، سوى أقل من 20 مليون دولار، لشراء الذخائر، بمناقصات، من ضمن اعتماد بخمسين مليون دولار لم يُصرَف كلّه بعد. فالغالبية العظمى من الذخائر والأسلحة يحصل عليها الجيش من الولايات المتحدة كهبات.
وبعيداً عن جنبلاط وسجالاته، عين المؤسسة العسكرية على الامن. بعد استعادة الجيش السوري السيطرة على مدينة القريتين في ريف حمص الشرقي، أُحبِط مشروع تنظيم «داعش» للسيطرة على منطقة القصير، والهجوم منها على منطقة عكار. وفي منطقة وادي خالد، قضت استخبارات الجيش على البنية التي كانت تراهن عليها «داعش»، من خلال تفكيك غالبية الخلايا، ولم يعد في المنطقة سوى مجموعة صغيرة لا يتجاوز عديد أفرادها عدد أصابع اليد الواحدة، وهم ملاحقون وتحت الضغط. المعلومات المتوفرة لدى المؤسسة العسكرية، والمتقاطعة مع معلومات الأميركيين، أن هدف «داعش» حالياً هو السيطرة على مخيم عين الحلوة. مدير استخبارات الجيش العميد كميل ضاهر أبلغ مسؤولي الفصائل الفلسطينية الذين زاروه الاسبوع الماضي بما لديه من معطيات، محذّرا إياهم من أي انشقاق يمكن أن يحصل في تنظيم ينقلب جزء من مسلحيه ليبايعوا «داعش». فعندها، يقع المحظور. وبرأي قيادة الجيش، فإن قادة الفصائل واعون لخطورة المرحلة، ويعملون، بما تيسّر لهم، لمواجهة هذا الامر. اما منطقة جرود السلسلة الشرقية، فلم تعد تشكّل خطورة تُذكر، بعد الضربات التي تلقتها التنظيمات الإرهابية من جانبي الحدود: حزب الله والجيش السوري من سوريا، وحزب الله والجيش اللبناني من لبنان. ما يُخشى منه هو انفجار هنا أو هناك، إذا تمكّنت خلية ما من الإفلات. لكن حتى هذه الخلايا، تُضرب تباعاً، من قبل استخبارات الجيش والأجهزة الأخرى.