انتقل العونيون من توجس أن يكون قائد الجيش جان قهوجي مرشح حزب الله السري إلى كونه مرشح المستقبل السري، متلمسين في أدائه الأمني ما يرضي قيادة الفريقين ويلبي تطلعاتهما لمواصفات الرئيس
لا يتعلق أمر رئاسة الجمهورية برئاسة الجمهورية بالنسبة إلى تيار المستقبل، بل برئاسة مجلس الوزراء. فطوال ثلاثين عاماً مولت السعودية الحرب والسلم اللبنانيين لتضمن فوزها بصلاحيات رئاسة مجلس الوزراء الراهنة، وتعزيزها عبر انتخاب رؤساء ضعفاء للجمهورية. كيف تغامر الآن بخسارة كل هذا عبر انتخاب رئيس قوي للجمهورية؟ تشاء الصدف أن يكون هو نفسه الذي رفض توقيع اتفاق الطائف. وعليه لا يكفي، بالنسبة إلى أحد أعضاء كتلة المستقبل في بيروت، أن يضمن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، لينتخب الأخير عون رئيساً. يمكن الزواج العونيّ – الحريريّ برأيه أن يدوم، لكن الطلاق وارد.
وفي حال حصوله، ستكون الأمور كارثية بالنسبة إلى رئاسة مجلس الوزراء، نظراً إلى تضارب الصلاحيات. أياً كان الرئيس، لن يؤثر في نفوذ حركة أمل وحزب الله، بحكم استقلالية رئاسة مجلس النواب من جهة، وخضوع ملف السلاح للتوازنات الإقليمية من جهة أخرى. أما في حال انتخاب رئيس قوي، فسيحاصر نفوذ رئيس الحكومة، وينكمش عبر التعيينات الإدارية، رغم أن 23 وزيراً يشاركونه صلاحياته اليوم. وعليه، فإن النظرة السعودية للاستحقاق الرئاسي تتلخص بشعور المملكة بأن من يحاصرونها من حدودها اليمنية إلى حدودها العراقية يسعون للنيل من نفوذها في لبنان، سواء عبر انتخاب رئيس قوي للجمهورية أو عبر الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي ثالث. ولا حاجة بالتالي إلى تهديد نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي الحريريين بحتمية المؤتمر التأسيسي في حال رفضهم انتخاب عون رئيساً، لعل المؤتمر أهون الشرين بالنسبة إلى السعوديين.
لعل الصورة لم تكن واضحة على هذا النحو عند الرئيس سعد الحريري حين استدرجه الوزير جبران باسيل إلى شباكه. كان الرئيس فؤاد السنيورة أول من رفع الصوت، محذراً السعوديين من خسارة مكاسبهم الرئيسية هنا فيما هم يحاولون تحقيق مكسب مماثل في سوريا. ذكرهم بأن صلاحيات رئاسة الحكومة أهم من شخص رئيس الحكومة، فيما هذه الصلاحيات مرتبطة مباشرة بشخص رئيس الجمهورية. وفي هذا السياق، يمكن فهم لامبالاة الثنائية الشيعية كثيراً بالاستحقاق الرئاسي، مفترضين أن ميشال سليمان ثانياً ينتظرهم في نهاية الأمر، مقابل لفّ المستقبليين ودورانهم حول هذا الكرسي الشاغر.
عونياً، لا أحد يتعامل بجدية مع مرشح السنيورة النائب روبير غانم. كانت الخشية العونية كبيرة من أن يكون قائد الجيش العماد جان قهوجي مرشح حزب الله السري،
يدخل قهوجي المعارك بما يرضي حزب الله ويخرج منها بما يُرضي الحريري
فيما هم اليوم يخشون أن يكون قهوجي مرشح تيار المستقبل السري. يعلم العماد عون أن عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت يفضل شرب فنجان قهوة وآخر شاي مع من ابتدع ردية «أحمد فتفت يا قبضاي» على شربهما مع رئيس فرع المخابرات في الشمال عامر الحسن، لأسباب مناطقية تتعلق بتعاون الحسن الكبير مع خصم فتفت النائب السابق جهاد الصمد. يعلم أن أقرب المقربين في المؤسسة العسكرية إلى قائد الجيش العماد جان قهوجي متهم بتسريب المعلومات عن تورط النائب خالد ضاهر مع المجموعات التكفيرية وتوقيف مرافقيه، لإحراج المستقبل وإخراج ضاهر عن طوره. ويعلم أيضاً أن الوزير أشرف ريفي لا يجد غير «صديق القائد» شبحاً أمنياً يتتبع خطواته ليحبط خططه. لكن لا تحول كل هذه المعلومات دون شعور بعض العونيين بأن ابتعاد رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري خطوة عنهم إنما يقربه خطوة من قهوجي. فلا معنى في الحسابات الجدية لمشاعر فتفت وضاهر والسنيورة تجاه قهوجي الذي يرضي حزب الله مرة تلو الأخرى في بداية المواجهة، وسعد الحريري في نهايتها. وها هي صحيفة المستقبل تختصر في افتتاحيتها أمس الصورة السابقة بهجومها على «حسابات عون الرئاسية الفارغة والمقيتة» من منطلق دفاعها عن قهوجي، عبر اشمئزازها من «تعرض وزير الخارجية جبران باسيل وتياره وزعيمه للعماد قهوجي انطلاقاً من حسابات رئاسية فارغة ومقيتة».
عملياً، تتقاطع مصادر المستقبل والتيار الوطني الحر عند تأكيد مراوحة الاتصالات السياسية بين الفريقين عند رفض المستقبل انتخاب عون رئيساً تحت حجج مختلفة. قال عون أمس إن الاتصال جمِّد لكنه لم ينقطع. علاقة عون بمستشار الحريري غطاس الخوري غدت أكثر من وطيدة، ولا يشك الخوري لحظة في أن انتخاب المستقبل عون رئيساً يفتح آفاقاً كثيرة أمام الرئيس سعد الحريري. تجددت عدة صداقات قديمة بين نواب عونيين وحريريين. علاقة نادر الحريري بالوزير جبران باسيل أمتن من علاقة الأخير بغالبية حلفاء تياره السياسي. لم (ولن) يقطع باسيل الأمل في احتمال قبول المستقبل بعون رئيساً. في مجلس الوزراء، يبدو الانسجام بين الوزراء العونيين والمستقبليين أكبر بكثير مما هو عليه بين العونيين ووزير المال علي حسن خليل مثلاً. حتى أمنياً، حرص النائب السابق غطاس الخوري على نقل تساؤلات عون بشأن بعض القضايا الشمالية إلى الحريري، والعودة منه بأجوبة واضحة. وعلمت «الأخبار» في هذا السياق أن الرسالة الشفهية التي قال عون إنها وصلته من الحريري أمس ما هي إلا هذه التطمينات الحريرية ببذل الجهد المطلوب للحفاظ على أمن واستقرار عدة بلدات شمالية يخشى عون عليها.
قبيل إحباط مبادرة جنبلاط وهدر معركتي عرسال والشمال، كان يمكن الرهان على حدث طارئ يستوجب انتخاب رئيس، أما اليوم فيقول أحد المرشحين الجديين لرئاسة الجمهورية إن ما من خيط في الأفق يوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، مرجحاً أن يطول الفراغ أكثر مما يتخيل كثيرون.