إما انتخاب قائد جديد أو ممنوع الفراغ لدقيقة واحدة
قهوجي باقِ في اليرزة.. وعون يعترض ولا يقاوم
بعكس الغموض الذي لا يزال يلفّ الاستحقاق الرئاسي، تبدو الرؤية واضحة بشأن الاستحقاق العسكري المتعلّق بقيادة الجيش. العماد جان قهوجي سيزاول مهامه كالعادة بعد الثلاثين من أيلول المقبل، التاريخ المفترض لمغادرته اليرزة بعد تأجيل تسريحه مرّتين.
لا مجال عملياً للمقارنة بين المناخات العونية التي رافقت التمديد الأول لقهوجي لسنتين في 2013 بقرار من وزير الدفاع (فايز غصن آنذاك) والتمديد الثاني في 2015 لعام واحد بقرار من سمير مقبل، بالمناخات المحيطة اليوم بالرابية حيال التمديد الثالث الذي سيتيح استنفاد المهلة القصوى من سنوات خدمة قهوجي في السلك العسكري البالغة 44 عاماً، وهي تنتهي في أيلول 2017.
منذ العام 2013، وُوجِه عون بسيناريو أن الخارج، ومن ضمن تأثيرات تطوّرات الأزمة السورية وتمدّد الأخطبوط الإرهابي في المنطقة وفي الداخل، فرض تمديداً من هذا النوع كان «حزب الله» أول مَن انتصر له، ليس لأن العماد قهوجي رجل موثوق، بل لأن مقتضيات الأرض ومواجهة الإرهابية فرضت استمراره على رأس المؤسسة العسكرية، فيما أصرّ الحزب على قطع الطريق يومها على يوم إضافي واحد لبقاء اللواء أشرف ريفي في المديرية العامة للأمن الداخلي.
وفي التمديدين المتتاليين، حيث كان عون يحتفظ بورقة الترشيح الطبيعي لشامل روكز لقيادة الجيش، لم يتوانَ رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» عن دفع المواجهة نحو نقطة اللاعودة إن عبر التهديد بالطعن بالتمديد لقهوجي أو باعتباره تعدّياً على المؤسّسة عبر «التلاعب بالهيكلية والتراتبية».
ولعل الاستفزاز الأكبر لـ «الجنرال» هو ترويج الرئيس سعد الحريري للتمديد الأول لقهوجي مباشرة بعد أحداث عبرا، ما اعتبره عون «لعبة غير نظيفة»، متسائلاً «منذ متى أصبح يحبّ الجيش (الحريري)، فيما جميع نوابه يشتمون الجيش؟ هل حلّ عليه الروح القدس؟».
وفيما كان عون يربط بين ملء الشغور في المجلس العسكري وتعيين قائد جيش، يُسجل له أنه تمكّن من الإنجاز في الملف الأول في كانون الثاني المنصرم، مع يقينه بأنه في اللحظة التي انطوت فيها صفحة شامل روكز بإحالته الى التقاعد في تشرين الأول المنصرم، خسر ورقة ذهبية دفعته إلى مقاربة ملف قيادة الجيش بأعصاب باردة هذه المرة، على قاعدة الاكتفاء بتأكيد الموقف المبدئي الرافض للتمديد المخالف للقانون!
وعلى قاعدة التعاطي مع التمديد الثالث كأمر واقع يصعب تفاديه، تجزم الأوساط عينها بأن الوقوف أمام قطار التمديد وفق «الاستراتيجية الهجومية» نفسها التي حكمت رفض التمديد الأول والثاني قد لا يؤدي الى مكان، لأن لا أجواء مؤاتية لتغيير على هذا المستوى».
ولا تربط الأوساط بالضرورة بين هذا الإقرار ومسألة رهان «تكتل التغيير» على معطيات إيجابية في الملف الرئاسي لمصلحة عون شخصياً «فهناك مؤشرات إيجابية خارجية فعلاً ورهان على حلحلة داخلية، لكن العبرة في الترجمة في ما لا نزال ندور في حلقة مفرغة اسمها الـ «لا قرار» في ما يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي ككل»، لكن الحلقة الضيقة المحيطة بعون لا تزال تروّج فعلاً «لطبخة رئاسية مع هاجس حقيقي من احتراقها في اللحظة الأخيرة»، ما يبرّر، سياسة المهادنة العونية على أكثر من مستوى، بينها مسألة قيادة الجيش التي ستأتي في سياقها الطبيعي بعد انتخاب الرئيس.
ولن يأتي موقف رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع بعدم وجود «حِكمة» في مقاومة التمديد لقائد الجيش في ظل غياب رئيس الجمهورية ووضع الحكومة المأزوم، إلا من باب التكامل مع الموقف العوني «المخفّف».
وتفيد المعطيات بأن موضوع قيادة الجيش لم يكن مدار حلقات نقاش بين عون وجعجع في الفترة الماضية، ولم يكلّف ملحم رياشي بنقل رسالة الى «الجنرال» لتبرير موقف «الحكيم» من انفتاحه على خيار التمديد، أو أن رياشي حمل رسالة عتب من رئيس «التكتل» إلى حليفه الجديد الذي سبق له في العام 2013 أن وصف حديث عون عن قيادة الجيش بعد أحداث عبرا (ربطاً بالتمديد) بأنه «تصريح ميليشياوي».
لا تواصل مباشراً اليوم بين عون وقهوجي، والعلاقة الإيجابية والمرنة بين الرابية ومدير المخابرات العميد كميل ضاهر، المدير السابق لمكتب قائد الجيش، لم تنسحب كسراً للجليد بين «الجنرالين» مع العلم أن ضاهر وخلال لقائه مع عون بُعيد تعيينه حاول لعب دور الإطفائي متحدّثاً عن «أخطاء ربما حصلت من الجانبين بما يوجب تقريب المسافات مجدداً،» لكن مسعاه لم يكتمل.
وتردّ أوساط عون على الدور الذي كان يمكن أن يلعبه العميد ضاهر في هذا السياق بالقول «لا هو تقدّم بمبادرة، ولا نحن طلبنا».
حتى الآن المعادلة واضحة: إذا أمكن تعيين قائد للجيش (لدى عون اسمان أو ثلاثة ممن يُعتقد أنهم «أهل» للمنصب) في مجلس الوزراء، يمرّ الاستحقاق بخير، وإذا تعذّر ذلك، فلن تمرّ دقيقة فراغ واحدة في قيادة المؤسسة العسكرية، أي أن التمديد حتميّ.