IMLebanon

القيصر والسلطان في  ضيافة بطرس الأكبر!

ليس من السهل معرفة حقيقة ما جرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يوم لقائهما الطويل في قصر قسطنطين في مدينة سان بطرسبرغ الشهيرة. الرئيسان معاً توافقا على ترك الانطباع العام بصحة المثل القائل لا صداقة حميمة إلاّ بعد خصام شرس! غير أن حديث التانتات في السياسة شيء، أما السياسة فشيء آخر. وخلاصة الموقف ان الرئيسين كشفا جانباً من المعلومات عن لقائهما، هو ما أرادا أن يعرفه العالم. أما حقيقة ما جرى فيبقى حبيس العقل لدى كل منهما، وأمانة دفينة في الملفات السرية لدى الأجهزة في البلدين! ومع ذلك، من الممكن القراءة في السطور المعلنة وما بينها، وفي الأجواء المحيطة، لتلمس بعض الحقائق…

على الصعيد السياسي، بدت الحاجة الى الطرف الآخر بينهما، غير متكافئة. وفي الظروف الراهنة بدت حاجة الرئيس التركي أردوغان الى دعم موسكو سياسياً، أكبر بكثير من حاجة موسكو الى عودة تركيا. والنظام التركي هو المأزوم في الداخل وفي سوريا وفي المنطقة، وفي علاقاته مع الغرب الأميركي والأوروبي. في حين ان الرئيس الروسي بوتين يدير اللعبة في الداخل والمنطقة وعلى الصعيد الدولي بأسلوب رياضة الجودو التي يجيدها جيداً! أما على الصعيد الاقتصادي فتبدو حاجة الطرفين الى بعضهما بعضاً متكافئة… فتركيا في حاجة ماسّة اليوم أكثر من أي يوم مضى، الى ما توفّره روسيا من موارد لها… ولكن روسيا في حاجة ماسّة أيضاً الى خطوط إمداد النفط والغاز عبر تركيا،بما يوفّر لها أرجحية، ويجعل يدها هي الأعلى في التعامل مع أوروبا!

الانطباع الآخر، هو أنه تحت ستار التودد الظاهري بينهما والمجاملات والكلام الدبلوماسي الناعم والحريري المتبادل، أخفى الرئيسان حذراً متبادلاً من وحي تجربتهما في السياسة والحكم، ومن ان الدهر دولاب… وهو حذر نابع أيضاً من شخصية كل منهما. وكل منهما مسكون بأمجاد امبراطورية غابرة لبلاده، وطموحات في احيائها من جديد في مستقبل الزمن الآتي، كل على طريقته. وفي أعماق أردوغان سلطان معمّم على رأس خلافة اسلامية امبراطورية ذات طابع عصري. وفي أعماق بوتين قيصر متوّج امبراطوري هو بمثابة بطرس الأكبر الثاني، بعد سلفه بطرس الأكبر الأول الذي تحمل المدينة اسمه سان بطرسبرغ، وحيث عقد لقاء بوتين – أردوغان في قصر قسطنطين الذي بناه ذلك القيصر الذي سبق أتاتورك في العمل على تغيير أذواق الروسي والانفتاح على التراث الثقافي الأوروبي، وحلق اللحى التي كانت من رموز الرجولة في ذلك الحين!