IMLebanon

كاكا يستعد للإستقلال

هي الفوضى الخلاقة تعيشها بلاد الشام والعراق، ففيهما من الأحقاد التاريخية وادعاء الحق بالسيادة على الأرض والسماء ما يكفي لإشعال حروب «مقدسة» متواصلة منذ قرون. حروب أبادت أو هجرت جماعات وقبائل، منها الآشوريون والسريان والكلدان الذين تحولوا إلى المسيحية بحكم صلاتهم الثقافية والحضارية بهذا الدين. وكان يفترض أن توحدهم الثقافة العربية، وإذ بها تطردهم، وتطرد العرب أنفسهم، وتحولهم إلى مجرد كائنات ترفض الخروج من تاريخ صراع قبلي يتجدد دائماً. وربما كان «الربيع» العربي، بما رافقه ويرافقه من مجازر وتهجير وتطهير عرقي أفضل مثال على ذلك. ولا ننسى اليهود وادعاءهم حقاً إلهياً بالعودة إلى فلسطين (كان الكاتب الأميركي غور فيدال يقول إنهم حولوا الإله إلى تاجر عقارات). وها هي القبائل الكردية تستغل هذا الواقع الآن ساعية إلى إعلان كردستان الكبرى الموزعة بين العراق وتركيا وإيران وسورية.

في العراق ثبت الأكراد «حقهم» بالاستفتاء على ضم «الأراضي المتنازع عليها» في دستور وضعه الحاكم العسكري بول بريمر. وهي أراض موزعة بين محافظات عدة، وبينها كركوك ونفطها، حيث عملت حكومة الإقليم بعد الاحتلال، على تكريدها وطردت عشرات الألوف من العرب، بحجة أن النظام السابق عرّبها، خلال ما عرف بحملة الأنفال، علماً أن إحصاء عام 1979 يفيد أن العرب يشكلون 72 في المئة من سكانها.

بإشراف بريمر أجريت أول انتخابات محلية في المدينة، واختارت قوات الاحتلال 300 مندوب عن الأكراد والعرب والتركمان والكلدان والآشوريين، فانتخب هؤلاء 24 عضواً لتشكيل مجلس المحافظة، وعين بريمر ستة أعضاء «مستقلين» جداً، وأجل حل الخلاف مع بغداد، واعتبرت المحافظة من الأراضي «المتنازع عليها». ثم توسع مجلسها ليضم 41 عضواً برئاسة كردي.

الآن، بعد أن تأكد الأكراد من هزيمة «داعش» في الموصل، بدأوا يدعون أن الفضل في ذلك لقوات «البيشمركة» التي لن تنسحب من الأراضي التي» دفعت دماء لاستعادتها»، على ما قال رئيس الإقليم مسعود بارزاني، ووافقه في ذلك بقية زعماء القبائل- الأحزاب، فلكل قبيلة كردية حزبها (للبارزانيين حزب اسمه «الديموقراطي»، وللطالبانيين حزب اسمه «الاتحاد الوطني»). والكل يسعى إلى الانفصال عن العراق. انفصال لن يكون سهلاً ولا سلمياً، بسبب التناحر الداخلي أولاً، ورفض الدول المعنية بالأمر وخوفها من انتقال العدوى إليها ثانياً. وإذا كان العراق ضعيفاً تنهشه الطائفية والمذهبية ولا يستطيع الوقوف في وجه هذا الطموح، وسورية مشغولة بمجازرها، وأكرادها يتحالفون مع أميركا ضدها، فإن إيران التي تسيطر سيطرة تامة على أكرادها مستعدة لقمع أي تحرك انفصالي، كما أنها مستعدة للدخول أكثر في العراق للحيلولة دون ذلك. أما تركيا التي تخوض حرباً ضد أكرادها منذ ثمانينات القرن الماضي، فتعتبر نفسها الأشد تضرراً من تحقيق الحلم الكردي لأنه سيكون بداية لمطالبة العلويين وبقية الأقليات بالاستقلال. وكان أردوغان واضحاً الأسبوع الماضي عندما رفض رفع الأكراد علمهم فوق مبنى محافظة كركوك، بعدما تجاوز وحكوماته السابقة بغداد ووثق علاقاته مع إقليمهم للحصول على النفط. أي أنه تصرف بعقلية تاجر في بازار إسطنبول، من دون أن يحسب حساباً لما بعد هذه التجارة مع شريكه الجشع. وهذا ما فعله ويفعله في سورية أيضاً، حيث سلّح ودرّب وسهّل دخول عشرات آلاف الإرهابيين إليها وأنشأ «مجلساً وطنياً سورياً» يهيمن عليه «الإخوان المسلمون»، ويدين له بالولاء، ثم احتل إحدى مدنها الحدودية، وراح يهدد باحتلال أخرى لمنع الأكراد من جمع قواهم في منطقة واحدة والاتصال بأقرانهم في الأناضول.

بموقعها الجغرافي وتحالفها مع إسرائيل والولايات المتحدة، ستكون كردستان الكبرى قاعدة لتقسيم أربع دول، وإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط كله. لكن تحقيق هذا الحلم رهن بحروب تستغرق عشرات السنين.

كاكا يحتفل برفع علمه في كركوك ويطالب بالاستقلال فاستعدوا للحروب المقبلة.